للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ومن سورة الأحزاب]

[مدخل]

...

وَمِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَوْله تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} . رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ: "أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دَهَائِهِ"; وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ مِثْلُهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: "كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ: لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْبَانِ، فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى". وَقَالَ الْحَسَنُ: "كَانَ رَجُلٌ يَقُولُ: لِي نَفْسٌ تَأْمُرُنِي وَنَفْسٌ تَنْهَانِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذَا". وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ قَالَ: فِي جَوْفِي قَلْبَانِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ، فَكَذَّبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي تَفْسِيرِهَا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، قَالَ: وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي احْتِجَاجِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي نَفْيِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ رَجُلَيْنِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ أَبَوَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّفْظُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِمَا ذُكِرَ; لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَبِ لَا مَجَازًا وَلَا حَقِيقَةً، وَلَا ذَلِكَ اسْمٌ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ رَأَى جَارِيَةً مُجِحًّا فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟ فَقَالُوا: لِفُلَانٍ، فَقَالَ: "أَيَطَؤُهَا قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَمْ كَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَقَدْ غَذَاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ" فَقَوْلُهُ: "قَدْ غَذَّاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ إثْبَاتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ.

وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانُوا يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَجَعَلَ هَذَا الْقَوْلَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: ٢] وَأَلْزَمَهُ بِذَلِكَ تَحْرِيمًا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَبْطَلَ مَا أَوْجَبَهُ الْمُظَاهِرُ مِنْ جَعْلِهِ إياها كالأم; لأن تحريمها تحريم مؤبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>