للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: شرط انعقاد البر إمكان البر إمكانا عقليا]

فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ "إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ" وَ "أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ غَدٌ" هُوَ عَقْدٌ وَلَا يَلْحَقُهُ الِانْتِقَاضُ وَالْفَسْخُ. قِيلَ لَهُ جَائِزٌ أَنْ لَا يَقَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَهُوَ مِمَّا يُوصَفُ بِضِدِّهِ. مِنْ الْحَلِّ, وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ: "إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ فَعَبْدِي حُرٌّ" وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ, إنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْعَقِدُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَقْدًا; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقِيضٌ مِنْ الْحَلِّ, وَلَوْ قَالَ: "إنْ لَمْ أَصْعَدْ السَّمَاءَ فَعَبْدِي حُرٌّ حَنِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ يَمِينِهِ; لِأَنَّ لِهَذَا الْعَقْدِ نَقِيضًا مِنْ الْحَلِّ", وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَبَرُّ فِيهِ; لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى مَعْنًى مُتَوَهَّمٍ مَعْقُولٍ, وَإِذَا كَانَ صُعُودُ السَّمَاءِ مَعْنًى مُتَوَهَّمًا مَعْقُولًا, وَكَذَلِكَ تَرْكُهُ مَعْقُولٌ جَائِزٌ, وَشُرْبُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مُسْتَحِيلٌ تَوَهُّمُهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَقْدًا.

وَقَدْ اشْتَمَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} عَلَى إلْزَامِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالذِّمَمِ الَّتِي نَعْقِدُهَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ, وَعَلَى إلْزَامِ الْوَفَاءِ بِالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ; وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: ٤٠] وَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أَيْ بِعُقُودِ اللَّهِ فِيمَا حَرَّمَ وَحَلَّلَ; وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: "يَعْنِي عُقُودَ الدِّينِ". وَاقْتَضَى أَيْضًا الوفاء بعقود البياعات والإجارات والنكاحات, وجميع

<<  <  ج: ص:  >  >>