للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: في حكم من صلى ونسي الماء في رحله]

وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُودِ أَمْ لَا; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: "إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ وَلَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ". وَقَالَ مَالِكٌ: "يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ بَعْدَهُ". وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: "يُعِيدُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا". وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وَالنَّاسِي غَيْرُ وَاجِدٍ لِمَا هُوَ نَاسٍ لَهُ; إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْوُصُولِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ, فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَا بِحَضْرَتِهِ; وَقَالَ اللَّهُ: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] فَاقْتَضَى ذَلِكَ سُقُوطَ حُكْمِ الْمَنْسِيِّ. أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى النَّاسِي لِأَنَّ تَكْلِيفَ النَّاسِي لَا يَصِحُّ, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا مُكَلَّفًا بِالْغَسْلِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ سُقُوطُهُمَا جَمِيعًا عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ, فَثَبَتَ جَوَازُ تَيَمُّمِهِ. وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَطَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ بِئْرٌ مُغَطَّى الرَّأْسِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ, وَوُجُودُ الْمَاءِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ أَوْ فِي نَهْرٍ أَوْ فِي بِئْرٍ, فَلَمَّا كَانَ جَهْلُهُ بِمَاءِ الْبِئْرِ مُخْرِجُهُ مِنْ حُكْمِ الْوُجُودِ كَذَلِكَ جَهْلُهُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي رَحْلِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ أَوْ الصَّلَاةَ لَمْ يُسْقِطْهُمَا النِّسْيَانُ, فَكَذَلِكَ نِسْيَانُ الْمَاءِ. قِيلَ لَهُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" يَقْتَضِي سُقُوطَهُ, وَكَذَلِكَ نَقُولُ; وَاَلَّذِي أَلْزَمْنَاهُ عِنْدَ الذِّكْرِ هُوَ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ, وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ سَقَطَ, وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا النَّاسِيَ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَأَلْزَمْنَاهُ الطَّهَارَةَ الْمَنْسِيَّةَ بِدَلَالَةٍ أُخْرَى, وَإِلَّا فَالنِّسْيَانُ يُسْقِطُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>