بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْصَرِ بَعْد إحْلَالِهِ مِنْ الْحَجِّ بِالْهَدْيِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ مَا ذَكَرَ فِي شَأْنِ الْمُحْصَرَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إذَا حَلَّ بِالْهَدْيِ، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَا: عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ عَلْقَمَةُ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَسَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْكُمْ الْعُدْوَانُ حَجَّةً بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةً بِعُمْرَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: عَلَيْهِ حَجَّةٌ. وَإِنَّمَا يُوجِبُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً إذَا أَحَلَّ بِالدَّمِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَلَوْ أَنَّهُ أَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ إنَّمَا هِيَ الَّتِي تَلْزَمُ بِالْفَوَاتِ لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، فَلَمَّا حَصَلَ حَجُّهُ فَائِتًا كَانَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ لِلْفَوَاتِ، وَالدَّمُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْإِحْصَارِ إنَّمَا هُوَ لِلْإِحْلَالِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُمْرَةِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالْفَوَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ عُمْرَةٌ يَقُومُ مَقَامُهَا دَمُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ عُمْرَةٌ لَمْ يَنُبْ عَنْهُ دَمٌ لَا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَلَا فِي حَالِ الْإِمْكَانِ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْعَلُ الْعُمْرَةَ فَرِيضَةً لَا يَجْعَلُ الدَّمَ نَائِبًا عَنْهَا بِحَالٍ; فَلَمَّا كَانَ الْفَوَاتُ قَدْ أَلْزَمَهُ عَمَلَ عُمْرَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنُوبَ عَنْهَا دَمٌ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِحْلَالِ فَحَسْبُ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ العمرة التي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute