بَابٌ الْمُتْعَةُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ إبَاحَةِ نِكَاحِ مَا وَرَاءَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ثم قال: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} يعني: دخلتم بهن, {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} كَامِلَةً, وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] وقَوْله تَعَالَى: {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء: ٢٠] . وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ الِانْتِفَاعُ, وَهُوَ هَهُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الدُّخُولِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: ٢٠] يَعْنِي تَعَجَّلْتُمْ الِانْتِفَاعَ بِهَا, وَقَالَ: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ} [التوبة: ٦٩] يَعْنِي: بِحَظِّكُمْ وَنَصِيبِكُمْ مِنْ الدُّنْيَا; فَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ ذُكِرَ تَحْرِيمُهُ فِي قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} وَعَنَى بِهِ نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ, ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} اقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةَ النِّكَاحِ فِيمَنْ عَدَا الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ, ثُمَّ قَالَ: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: نِكَاحًا تَكُونُوا بِهِ مُحْصِنِينَ عفائف {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ حُكْمَ النِّكَاحِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ بِقَوْلِهِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَأَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ كَمَالَ الْمَهْرِ. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَهْرَ أَجْرًا فِي قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَسَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا, وَكَذَلِكَ الْأُجُورُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الْمُهُورُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَهْرُ أَجْرًا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْأَعْيَانِ, كَمَا سُمِّيَ بَدَلُ مَنَافِعِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ أجرا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute