للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ومن سورة هود]

[مدخل]

...

وَمِنْ سُورَةِ هُودٍ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠] وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ"، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ; لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا، فَمَتَى أَخَذَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقِيلَ في قوله: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَصِلَ الْكَافِرُ رَحِمًا، أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا، أَوْ يَرْحَمَ مُضْطَرًّا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ جَزَاءَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ فِيمَا خُوِّلَ وَدَفْعِ مَكَارِهِ الدُّنْيَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْغَزْوِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَنِيمَةِ دُونَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ وَسَهْمَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ. فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ هُوَ الثَّانِيَ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا شَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ نَصِيبًا. وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ فِي قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا. إذَا كَانُوا مَتَى غُلِبُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْجَارِيَ عَلَيْهِمْ دُونَ حُكْمِ الْكُفْرِ وَمَتَى حَضَرُوا رَضَخَ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْكَافِرُ بِحُضُورِ الْقِتَالِ هُوَ السَّهْمُ، أَوْ الرَّضْخُ.

قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْمُعْتَرَضَ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: "إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَبْدِي حَرٌّ" أَنَّهُ لَا يحنث حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>