للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه بما يمكنه الوصول إليه]

وَفِيمَا تَوَصَّلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ إلَى أَخْذِ أَخِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِنْسَانِ التَّوَصُّلُ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِهِ بِمَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} قَالَ: "كَفِيلٌ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ كَفَالَةٌ عَنْ إنْسَانٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ; لِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ جَعَلَ حِمْلَ بَعِيرٍ أُجْرَةً لِمَنْ جَاءَ بِالصَّاعِ وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ يَعْنِي ضَامِنٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي زَعِيمٌ إنْ رَجَعْت مُسْلِمًا ... بِسَيْرٍ يُرَى مِنْهُ الْفَرَانِقُ أَزْوَرَا

أَيْ ضَامِنٌ لِذَلِكَ. فَهَذَا الْقَائِلُ لَمْ يَضْمَنْ عَنْ إنْسَانٍ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ ضَمَانَ الْأُجْرَةِ لِرَدِّ الصَّاعِ. وَهَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ قَوْلِ الْقَائِلِ: "مَنْ حَمَلَ هَذَا الْمَتَاعَ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَهُ دِرْهَمٌ" وَأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُشَارِطُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ: "مَنْ سَاقَ هَذِهِ الدَّوَابَّ إلَى مَوْضِعِ كَذَا" أَوْ قَالَ: "مَنْ حَمَلَ هَذَا الْمَتَاعَ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَهُ كَذَا" أَنَّ هَذَا جَائِزٌ وَمَنْ حَمَلَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا فِيمَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ دَارٌ لِرَجُلٍ يَسْكُنْهَا فَقَالَ: "إنْ أَقَمْت فِيهَا بَعْدَ يَوْمِك هَذَا فَأُجْرَةُ كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَيْك" أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَإِنْ أَقَامَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لَزِمَهُ لكل يوم ما سمى،

<<  <  ج: ص:  >  >>