فَصْلٌ:
قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ: "فِي أَرْبَعِينَ شَاةً مَسَانَّ وَصِغَارٍ مُسِنَّةٌ" وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ الْمَسَانُّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ يُعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصِّغَارِ" وَلَمْ يَسْبِقْهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَحَدٌ. وَقَدْ رَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي، فَقَالَ فِيهِ: "وَيُعَدُّ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا" وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ النِّصَابِ وَمَا زَادَ وَأَيْضًا الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ"، وَمَتَى اجْتَمَعَ الصِّغَارُ، وَالْكِبَارُ أُطْلِقَ عَلَى الْجَمِيعِ الِاسْمُ فَيُقَالُ: عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَهَا فِي الصِّغَارِ، وَالْكِبَارِ إذَا اجْتَمَعَتْ وَأَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الِاعْتِدَادِ بِالصِّغَارِ بَعْدَ النِّصَابِ لِوُجُودِ الْكِبَارِ مَعَهَا، فَكَذَلِكَ حُكْمُ النِّصَابِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ، فَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ إنَاثًا، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "لَا صَدَقَةَ فِيهَا". وَرَوَى عُرْوَةُ السَّعْدِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ"، وَحَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَقَالَ: "هِيَ ثَلَاثَةٌ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِآخَرَ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا، وَلَا يَنْسَى حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا فِي ظُهُورِهَا" فَأَثْبَتَ فِي الْخَيْلِ حَقًّا، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ سَائِرِ الْحُقُوقِ سِوَى صَدَقَةِ السَّوَائِمِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ زَكَاةَ التِّجَارَةِ. قِيلَ لَهُ: قَدْ سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخَيْلَ فَقَالَ: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ فِيهَا إلَّا الْآيَةَ الْجَامِعَةَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} " [الزلزلة:٧] فَلَمْ يُوجِبْ فِيهَا شَيْئًا، وَلَوْ أَرَادَ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَأَوْجَبَهَا فِي الْحَمِيرِ.
فَإِنْ قِيلَ: فِي الْمَالِ حُقُوقٌ سِوَى الزَّكَاةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ حَقًّا غَيْرَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" وَتَلَا قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة:١٧٧] رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِبِلَ فَقَالَ: إنَّ فِيهَا حَقًّا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمَنِيحَةُ سَمِينِهَا"، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْخَيْلِ مِثْلَ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لما اختلف حكم الحمير، والخيل;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute