للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ نِكَاحِ الْمُلَاعِنِ لِلْمُلَاعَنَةِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: "إذَا أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ وَجُلِدَ الْحَدَّ أَوْ جُلِدَ حَدَّ الْقَذْفِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَصَارَتْ الْمَرْأَةُ بِحَالٍ لَا يَجِبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إذَا قَذَفَهَا لِعَانٌ، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا"; وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمِ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: "لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"; وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا عَلَى حَالِ التَّلَاعُنِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "أَنَّ فُرْقَةَ اللِّعَانِ لَا تُبِينُهَا مِنْهُ، وَأَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي الْعِدَّةِ رُدَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ"; وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ بِبُطْلَانِهِ حِين فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَالْفُرْقَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْبَيْنُونَةِ. وَيُحْتَجُّ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِعُمُومِ الْآيِ الْمُبِيحَةِ لِعُقُودِ الْمُنَاكَحَاتِ، نَحْوُ قَوْلَهُ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَقَوْلُهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وَقَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] . وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ تَعَلَّقَتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ سَائِرَ الْفُرَقِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا مِثْلَ فُرْقَةِ العنين وخيار الصغيرين

<<  <  ج: ص:  >  >>