[ومن سورة النجم]
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَوَادِثِ مِنْ جِهَةِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ، بِقَوْلِهِ: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا; لِأَنَّ اجْتِهَادَ الرَّأْيِ إذَا صَدَرَ عَنْ الْوَحْيِ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ مُوجِبَهُ وَمَا أَدَّى إلَيْهِ أَنَّهُ عَنْ وَحْيٍ.
وقَوْله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} . رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ قَالُوا: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ بِقَلْبِهِ"; وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْعِلْمِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكِ: "سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَعْرُجُ إلَى السَّمَاءِ" وَقِيلَ: "سَمَّيْتُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى; لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ "وَقَالَ الْحَسَنُ: "جَنَّةُ الْمَأْوَى هِيَ الَّتِي يَصِيرُ إلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ". وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَعِدَ إلَى السَّمَاءِ وَإِلَى الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: رَآهُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِنَّ عِنْدَهَا جَنَّةَ الْمَأْوَى.
وقوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً: لَمْ أَرَ أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ". وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّهُ النَّظْرَةُ وَالْغَمْزَةُ وَالْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ، فَإِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَهُوَ الزِّنَا وَوَجَبَ الْغُسْلُ"، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا: "إنَّ اللَّمَمَ النِّكَاحُ"، وَعَنْهُ أَيْضًا: "إنَّ اللَّمَّةَ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ يَتُوبُ فَلَا يَعُودُ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً: "اللَّمَمُ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ الْآخِرَةِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا رِوَايَةً "هُوَ الَّذِي يُلِمُّ بِالْمَرْأَةِ" وَقَالَ عَطَاءٌ: "اللَّمَمُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ" وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "أَنْ تُصِيبَ الذَّنْبَ ثُمَّ تَتُوبَ". وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إنْ تَغْفِرْ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا" وَيُقَالُ: إنَّ اللَّمَمَ هُوَ الْهَمُّ بِالْخَطِيئَةِ مِنْ جِهَةِ حَدِيثِ النَّفْسِ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute