للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا غاب عنا غاب عنَّا ربيعنا ... ونسقى الغمامَ الغرَّ حين يؤوبُ

فنعمَ الفتى تعشو إلى ضوءِ ناره ... إذا الريح هبتْ والمكان جديب

دخل الحطيئة على عتيبة بن النهاس العجلي، وكان من وجوه بكر بن وائل، وكان يبخل، وعلى الحطيئة عباءة، ولم يكن عتيبة يعرفه، فقال له: أعطني. قال: ما أنا على عملٍ فأعطيك وما في مالي فضلٌ عن قومي.

قال: فلا عليك! ثم انصرف. فقال لعتيبة رجلٌ كان عنده من قومه: لقد عرضتنا لشر. قال: ومن هذا؟ قال: الحطيئة؟ قال: ردوه. فردوه. فقال له عتيبة: بئس ما صنعت، ما استأنست استئناسَ الجارِ، ولا سلمت تسليم أهل الإسلام. ولقد كتمتنا نفسك حتى كأنك كنت معتلاً علينا. اجلس؛ فإنَّ لك عندنا ما يسرك؛ فقد عرفنا السبب الذي تمت به، وأنت جار، وأشعر

العرب.

قال: ما أنا بأشعر العرب. قال: فمن أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:

ومن يجعلِ المعروفَ من دونِ عرضهِ ... يفرهُ ومنْ لا يتق الشتمَ يشتمِ

فقال له عتيبة: أما إنَّ هذه الكلمة من مقدمات أفاعيك.

ثم قال لغلامه: اذهب معه، فلا يشيرنَّ إلى شيء إلا اشتريته له. فانطلق معه الغلام، فعرض عليه الخزَّ واليمنة، فلم يقبل ذلك، وأشار إلى الأكسية والكرابيس الغلاظ حتى أوقر ما أحبَّ ولم يبلغ ذلك مائتي درهم.

فرجع إلى قومه؛ فلما رأوا ما جاءَ به، وأخبرهم ما صنع به لاموه، وقالوا: بعث معك غلامه، وهو أكثر العرب مالاً، فأخذت القليلَ الخسيسَ، وتركتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>