للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدولة والتربية في الإسلام]

لفهم علاقة الدولة بالتربية في الإسلام ينبغي منذ البداية أن تذكر أن الإسلام دين ودولة. وهو بهذا يحتل مكانة متميزة بين الديانات السماوية الأخرى، كما أنه يتميز أيضا عن النظم الوضعية الدستورية والمدنية. ومنذ العصور الأولى للإسلام كانت السلطة الدينية والمدنية تتمثل في شخص واحد هو أمير المؤمنين فهو إمامهم وحاكمهم العادل، وعلى الرغم من التطور الذي حدث للإسلام فيما بعد فما زال حاكم المسلمين راعيا ومسئولا عن مصالحهم الدينية والدنيوية على السواء، ويتضح الدور الهام في الإسلام مما ذكره الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز عندما طلب منه أن يصف له الإمام العادل فكتب إليه الحسن البصري يقول:

"اعلم يا أمير المؤمنين أن الله قد جعل الإمام العدل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف ونصفه كل مظلوم ومفزع كل ملهوف والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهلكة. ويحميها من السباع يكنها من أذى الحر والقر. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده. يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلا تسكن بسكونه ترضعه تارة وتفطمه أخرى وتفرح بعافيته وتهتم بشكايته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين موصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح تصلح الجوانح بصلاحه وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله، ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزع بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من

<<  <   >  >>