للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ضرورة التأديب]

يروي الماوردي أن التأديب ضروري لأن النفس مجبولة على شيم مهملة وأخلاق مرسلة لا يستغنى محمودها عن التأديب والتهذيب. لأن النفس ربما جمحت عن الأفضل وهي به عارفة، ونفرت عن التأديب وهي له مستحسنة، لأنها عليه غير مطبوعة فتصير منه أنفر ولضده آثر. وقد قيل: ما أكثر من يعرف الحق ولا يطيعه. وإذا شرفت النفس كانت للآداب طالبة وفي الفضائل راغبة فإذا مازجها صارت طبعا ملائما. ويقول الماوردي إن الأدب مكتسب بالتجربة ومستحسن بالعادة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وهو يرى أن التأديب يلزم من وجهين أو جانبين. أحدهما ما يلزم الوالد لولده في صغره. والثاني ما يلزم الإنسان في نفسه عند نشأته وكبره ... وقد سبق أن أشرنا إلى الجانب الأول في كلامنا عن تربية الطفل في الإسلام. أما الأدب اللازم للإنسان عند نشأته وكبره فيذكر الماوردي أنه على نوعين: أدب مواضعه واصطلاح وأدب رياضة واستصلاح. أما النوع الأول وهو أدب المواضعة والاصطلاح فيؤخذ تقليدا على ما استقر عليه اصطلاح العقلاء واتفق عليه استحسان الأدباء. وهذا الاصطلاح والاستحسان هو نوع من العرف المتفق عليه ولا يخضع لتعليل عقلي ولا دليل علمي يبرهن عليه. وإنما هو عادات درج الناس عليها مثل أصول السلوك الإنساني في المواقف المختلفة وكيف يأكل وينام ويشرب ويلبس ويتعامل مع الناس.

أما النوع الثاني وهو أدب الرياضة واستصلاح فهو ما لا يختلف العقلاء في صلاحه وفساده. ويمكن تعليله بالعقل والبرهنة عليه بالدليل. وأول هذا النوع من الأدب ألا يسارع الإنسان إلى حسن الظن بنفسه فلا يرى مذموم شيمه وأخلاقه وما فيه من عيوب. لأن النفس أمارة بالسوء. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ثم أهلك ثم عيالك". وقد قال بعض الحكماء: "من ساس نفسه ساد نفسه". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "العاجز من عجز عن سياسة نفسه".

ويورد الماوردي بعد ذلك فصولا وكلاما مطولا عن آداب الرياضة، والنفس واستصلاحها. وسنتناول الكلام عنها فيما بعد.

<<  <   >  >>