للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ما تصلح به حال الدنيا]

يقول الماوردي تحت هذا العنوان: "اعلم أن ما تصلح به الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة ... ستة أشياء أو أمور هي: دين متبع وسلطان قاهر وعدل شامل وأمن عام وخصب دائم وأمل فسيح". فهو يرى أن الدين أقوى قاعدة في صلاح الدنيا واستقامتها لأنه يصرف النفوس عن شهواتها ويعطف القلوب عن إرادتها حتى يصير قاهرا للسرائر زاحرا للضمائر، رقيبا على النفوس في خلواتها نصوحا لها في ملماتها. كما أن الدين به صلاح الآخرة أيضا. ومن هنا كان على العاقل أن يكون به متمسكا وعليه محافظا.

أما الأمر الثاني الذي تصلح به الدنيا هو السلطان القاهر فيقول الماوردي إن برهبته تتألف الأهوار المختلفة وبهيبته تجتمع القلوب المتفرقة وبسطوته تنكف الأيدي المتعالية ومن خوفه تنقمع النفوس المتعادية ولأن في طباع الناس من حب المغالبة والمنافسة على ما آثروه والقهر لمن عاندوه ما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ورادع تلي وقد أفصح المتنبي في ذلك بقوله:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعله لا يظلم

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم". وروى عنه قوله صلى الله عليه وسلم أيضا: "إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن".

أما الأمر الثالث وهو العدل الشامل فإنه كما يقول الماوردي يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتعمر به البلاد وتنمو به الأموال ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان. وإذا كان العدل إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به ولا صلاح فيها إلا معه، وجب أن يبدأ بعدل الإنسان في نفسه ثم بعدله في غيره فإذا عدل الإنسان في نفسه فيكون بحملها على المصالح وكفها عن القبائح. وأما عدله مع غيره فيكون بعدل الإنسان فيمن دونه، كالسلطان في رعيته. ويكون بعدل الإنسان مع من فوقه كالرعية مع سلطانها. ويكون بعدل الإنسان

<<  <   >  >>