للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نزل إليها بعد أن عصى ربه وقد جاء في سفر التكوين الإصحاح الثالث ١٧-١٩ ما نصه: "وقال: آدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب وإلى تراب" ونقرأ في إنجيل لوقا الإصحاح ١٢: ٢٩-٣٤ قول عيسى عليه السلام لتلاميذه: "فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا فإن هذه كلها تطلبها أمم العالم. وأما أنتم فأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم ... بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. اعملوا لكم أكياسا لا تفنى وكنزا لا ينفد في السماوات". أما الإسلام فعلى العكس من ذلك لا يعتبر الأرض ساحة للعذاب سجنت فيها إنسانية شريرة إنما هي دار متاع واستمتاع للإنسان بحياته كاملا. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} . بيد أن الإسلام كما أشرنا في اهتمامه بالواقع الدنيوي للإنسان إلى ما هو أبعد من حياة الأرض القصيرة ليعده لحياة سعيدة أبدية في الآخرة يجد فيها كل النعيم وما لم يخطر على قلب بشر. قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} .

إن على المسلم ألا يذم الدنيا. وقد ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي: "الدنيا صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غني لمن تزود منها ومهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة".

ويحكى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الربيع بن زياد الحارثي شكا إليه عاصم بن زياد لأنه لبس العباءة وترك الملاءة وغم أهله وأحزن ولده. فأرسل علي رضي الله عنه في طلب عاصم فلما جاء عبس في وجهه وقال: "ويلك يا عاصم أترى الله أباح لك اللذات وهو يكره أخذك منها؟ لأنت أهون على الله من ذلك ... أو ما سمعته يقول: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} . والله إن ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال. وقد سمعته عز وجل يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ... وإن الله عز وجل خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} .

<<  <   >  >>