للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلائمها ويناسبها. كما أن النفوس يتحصل لها من العلوم بحسب ما تكتسبه منها. وقضية الطبع والتطبع قضية جدلية يحتدم حولها النقاش. وهذه القضية تحتاج منا إلى جهد كبير لفهمها وتوضيحها وإلقاء الضوء عليها حتى نحكم تربية وتنشئة الإنسان على أساس من الفهم الصحيح لطبعه ومزاجه. وعندها نستطيع أن نحسن من أساليب تطبيعنا له أي تربيتنا وتنشئتنا له. وذلك أن الطبع والتطبع وجهان لعملة واحدة.

ويشير الغزالي إلى السبب في حسن الخلق فيقول: قد عرفت أن حسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة وإلى اعتدال قوة الغضب والشهوة وكونها للعقل مطبعة وللشرع أيضا. وهذا الاعتدال يحصل على وجهين: أحدهما بجود إلهي وكمال فطري بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل حسن الخلق. والوجه الثاني اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة. "الأحياء: ج٣: ص٥٦". وهكذا يؤكد الغزالي على جانبي الطبع والتطبع في أخلاق الإنسان. وهو يقول في مكان آخر: إن الأخلاق الحسنة تارة تكون بالطبع والفطرة وتارة تكون باعتياد الأفعال الجميلة وتارة بمشاهدة أرباب الأفعال الجميلة ومصاحبتهم وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير معا. "نفس المرجع: ص٥٨".

الناس معادن:

يتعلق الطبع بجوهر الناس ومعادنهم ويرى كثير من الفلاسفة ومنهم الفلاسفة المسلمون أن الناس يختلفون في طباعهم كالمعادن. فالناس معادن ومن كل المعادن تصادف أناسا في حياتك. لقد نوه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الناس معادن وأنهم يتفاوتون في الوضاعة والشرف والخير والشر بقوله في الحديث الشريف "الناس معادن في الخير والشر. خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا". "عبد الله علوان: ص٣٧".

وقديما قسم أفلاطون حكيم الإغريق الناس إلى ثلاثة معادن: الذهب والفضة والنحاس. وقد خضعت كثير من المجتمعات في تطورها إلى تقسيم الناس إلى طبقات حسب معدنها وجوهرها. ومن أشهر التقسيمات الطبقية

<<  <   >  >>