للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها صلة بالشرق إلا لمدة حوالي ٤٤ سنة من آخر سنوات الدولة الأموية وقطعت هذه الصلة بقيام الدولة العباسية فإن العرب في إسبانيا استطاعوا في أقل من قرن بالأندلس أن يحيوا ميت الأرض ويعمروا خراب المدن ويقيموا أفخم المباني ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بجميع الأمم.

ومن الأندلس كان العرب يصدرون منتجات المناجم ومعامل الأسلحة ومصانع الحرير والجلود والسكر إلى الشرق وإفريقيا. وأنشئوا المدارس والمساجد والفنادق والمستشفيات في كل مكان إلى جانب أنهم شقوا الطرق والجسور.

وكانت الزراعة موضع عناية خاصة بهم فقد درس العرب أمر الزراعة دراسة قائمة على معرفة تامة بالإقليم والأرض ونمو النبات وتكاثر الحيوان لدرجة يقال معها أحيانا إنه لم يتوفر لأي أمة متمدنة في أوربا وآسيا أو إفريقيا من أصول الزراعة بمثل ما توفر لعرب الأندلس. ولم تصل أي بلد من الازدهار الزراعي درجة أعلى مما وصلت إليه الأندلس العربية ولا سيما مملكة غرناطة. فقد كان إقليم الأندلس يدر ثلاثة محاصيل في كل عام. وكان العرب أول من أدخل إلى الأندلس زراعة الأرز والموز واللوز والفستق والنخيل وقصب السكر وجلبوا إليها الزهور والخضر التي لم تكن معروفة ومنها انتشرت فيما بعد إلى أوربا. ولا تزال معظم أسماء الزهور في اللغة الإسبانية شاهدا على ما استعير مباشرة من العرب والمسلمين. كما كان للصناعة نهضة فاستغلت مناجم الزئبق والياقوت كما استخرج اللؤلؤ والمرجان من الشواطئ. وطورت صناعة الجلود ودباغتها ونسج القطن والكتان والقنب.

أما الناحية العقلية والفكرية فكان للأندلس نشاط بالغ في ميدان العقل والفكر إلى جانب الازدهار المادي. وبلغت أسماء ابن رشد وابن ماجه وابن عربي وابن حزم شهرتها، وكانت الأندلس في عهد العرب أعظم دول الغرب في هذا العصر ازدهارا وحضارة. وظهرت قرطبة أكبر عواصم أوربا آنذاك نورا وكثرت القصور والمدارس، والمراصد والمكتبات. وقد أنشأ العرب مدرسة الطب في مونبليه في جنوب فرنسا.

ويروي مؤلفو الغرب أنه كان يوجد في الأندلس في ذلك الحين سبعون

<<  <   >  >>