للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعلم:

اقتصر القابسي في رسالته على الكلام عن معلمي الكتاتيب الذين يتصلون بأولاد العامة وذاع عنهم الحمق فقيل في المثل: "أحمق من معلم الكتاب". وهكذا وصفوا بالحمق وقلة العقل ولم تقبل شهادتهم. وقد انتصر الجاحظ لمعلمي الخاصة وهم المؤدبون الذين كانوا أكثر احتراما من معلمي الصبيان. ولعل هذه الوصمة لحقت بمعلمي الصبية من جراء العناصر الوضيعة التي اشتغلت بالمهنة والممارسات السيئة التي عرفت عنهم مما يتضح مما نهى القابسي المعلمين عنه. ولم تكن هناك شروط يسمح للمعلم بناء عليها بمزاولة المهنة. ولكن كان الأمر يعتمد على الشعور بالقدرة فمن آنس في نفسه المقدرة على التعليم جاز له ذلك، وقد اشترط القابسي في المعلم معرفة القرآن والنحو والشعر وأيام العرب إلى جانب شخصيته الدينية وسمعته الطيبة. وهو بهذا يتفق مع ابن سحنون ويتفق معه أيضا في مطالبة المعلم بعدم الانشغال عن تعليم الصبيان وعدم طلب الهدايا منهم أو إرسال تلاميذهم في قضاء حوائجهم والحصول على طعام باسمهم في مناسبات الأفراح أو إحضار الطعام والحطب من بيوتهم.

ولا يجوز للمعلم أن يترك عمله للصلاة على الجنازة أو السير فيها أو عيادة المرضى أو حضور شهادة البيع والنكاح. وربما من هنا جاءت فكرة عدم قبول شهادة معلم الصبية لا لنقص فيه ولكن لأنه منهي عن الانشغال عن التعليم وهو واجبه بأعمال أخرى.

ومن الواضح أوجه الاتفاق والشبه الكبير بين ما يقول القابسي وما ذهب إليه ابن سحنون. وكلاهما يتفقان أيضا على أن يأخذ المعلم أجرا نظير عمله إما مشاهرة أو مساناة. وأعطى القابسي للمعلم سلطة كبيرة على الصبي تساوي سلطة الوالد، ولكنه حمل المعلم المسئولية والنتيجة النهائية لعمله، وليس له أن يعتذر عن فساد النتيجة بنقص سلطته أو إلقاء اللوم على الصبيان. ولهذا صح عقاب المعلم ومحاسبته على التقصير في أعماله، وقد يصل العقاب إلى حد منعه من الاشتغال بالتعليم.

<<  <   >  >>