للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك الحالة سببا لزيادة الغضب ومادة اللهب والتأجج. وليس له في تلك الحال حيلة. فالناس يتفاوتون بحسب المزاج. فإن كان المزاج حارا يابسا كان أشبه بالكبريت الذي إذا أدنيت منه الشرارة الضعيفة التهب. وإن كان بالضر فماله بالضر. ولكن إذا احتدم الغضب فيكاد الحال يتفاوت مثله مثل اشتغال النار في الحطب اليابس والرطب. ومثل اشتعال النار بسرعة وشدة من الكبريت والنفط. كما أن الاحتكاك وإن كان ضعيفا في توليد النار فربما قوي حتى تلتهب منه الأمة العظيمة. وكذلك النفس إذا استشاطت غضبا فليس يرجى لها حيلة البتة.

وأسباب الغضب كما يذكرها ابن مسكويه هي: العجب والافتخار والمراء واللجاج والمزاج والتيه والاستهزاء والغدر والضيم أو الظلم وطلب الأمور التي فيها لذة ويتنافس فيها الناس ويتحاسدون عليها. وغاية هذه الأسباب جميعا شهوة الانتقام. وعواقبها الندامة وتوقع العقاب عاجلا أو آجلا وتغير المزاج وتعجل الألم. ذلك أن الغضب جنون ساعة أو لحظة وربما أدى إلى التلف باختناق حرارة القلب فيه. وربما كان سببا لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف. ومن لواحقه أيضا مقت الأصدقاء وشماتة الأعداء واستهزاء الحساد والأراذل من الناس. ويرى ابن مسكويه أن لكل من أسباب الغضب السابقة علاجا يبدأ به حتى يقتلع من أصله.

فالعجب وهو من أسباب الغضب، هو في حقيقته ظن كاذب بالنفس باستحقاق مرتبة غير مستحقة لها. وعلى المرء أن يعرف أنه لا يخلو من عيوب ونقائض فالفضل مقسوم بين البشر. ولا يكمل المرء إلا بفضائل غيره. ومن كانت فضيلته عند غيره وجب عليه ألا يعجب بنفسه. وكذلك الافتخار بما هو خارج عنه فقد باهى بما لا يملكه. وكيف يملك ما هو معرض للزوال في كل ساعة وفي كل لحظة. وأوضح مثال على ذلك ما ذكره القرآن الكريم في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا

<<  <   >  >>