للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الضيم فهو الظلم الذي قد يكون شهوة للانتقام. وقد نفى رب العزة الظلم عن نفسه فقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} . ولذلك وجب أن يبتعد المرء عن الضيم لأنه مدمر للحياة الاجتماعية وعكسه العدل الذي سبق أن أفضنا في الكلام عنه. ويجب ألا يسرع المرء إلى الانتقام عندما يحيق به ظلم أو يلحقه ضيم حتى لا يعود عليه بضرر أعظم من احتمال الظلم أو الضيم.

أما طلب الأمور التي فيها لذة ويتنافس فيها الناس مثل الجواهر النفيسة والأحجار الكريمة وغيرها من المقنيات فلا يقدر عليها إلا الموسرون. وهي قليلة الانتفاع بها والحاجة إليها وعادة ما تقتني لخزنها وقد لا ينتفع بها إلا نادرا. والتنافس على شرائها وامتلاكها خطأ من القادرين على شرائها فضلا عن أوساط الناس "المرجع السابق: ص٢٠٥-٢١٣".

ومن أمراض النفس الخوف. ويكون من توقع مكروه وانتظار محذور. والتوقع والانتظار إنما ذكن للحوادث في الزمان المستقبل. وهذه الحوادث قد تكون عظيمة أو يسيرة وقد تكون ضرورية أو ممكنة. والأمور الممكنة قد تكون نحن أسبابها وقد يكون غيرنا سببها. وجميعها لا ينبغي للعاقل أن يخاف منها. وهي تقع أو تكون وقد لا تقع ولا تكون. ويجب على المرء ألا يصر على أنها تكون فيستشعر الخوف منها ويتعجل مكروه التألم بها وهي لم تقع بعد ولعلها لا تقع بالمرة. ويجب أن يكون الخوف من مكروه على قدر حدوثه. وإنما يحسن العيش وتطيب الحياة بالظن الجميل والأمل القوي وترك الفكر في كل ما يمكن ألا يقع من المكاره. وأما ما كان سببه سوء اختيارنا وجنايتنا على أنفسنا فينبغي أن نحذر منه بترك الذنوب والأعمال التي نخاف عواقبها ولا تؤمن غوائلها وأما الأمور الضرورية كالهرم وكبر السن وتوابعه فعلاج الخوف منه أن تعلم أن الإنسان إذا أحب طول الحياة فقد أحب لا محالة الهرم. ومع الهرم يحدث نقصان الحرارة الغريزية والرطوبة الأصيلة التابعة لها. وضعف الأعضاء الأصيلة كلها. ويتبع ذلك قلة الحركة وبطلان النشاط وضعف آلات الهضم وسقوط آلات الطحن ونقصان القوى المدبرة للحياة. وأما الخوف من الموت فسببه الجهل بحقيقته وحقيقة مصير الناس بعده لأن الإنسان يخاف من المجهول. وهذا الجهل

<<  <   >  >>