للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكن مصر من صد التتار واستطاع رجالها أن يوقفوا زحفهم بل وأجلوهم عن دمشق وغيرها من المدن السورية تحت قيادة الظاهر بيبرس وقبله قطز من حكام المماليك. ويقول الشيخ محمد أبو زهرة إن مصر أنقذت العالم من شر التتار بدمها ومالها فكانت حقا كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصم الله ظهره "محمد أبو زهرة: ابن تيمية ١٣٧".

وخلال هذه الفترة خيم الضعف على المسلمين وعجزوا عن مقاومة أعدائهم الصلبيين والتتار. كما خيم على الحياة الثقافية الركود والجمود نضوب معين الفكر فقفل باب الاجتهاد وشاعت الخرافات والبدع والشعوذة والغش في المعاملات وانتشرت الفاقة وعم الفقر وأهملت الفرائض والعبادات كالصلاة وحل محلها الأوراد والأذكار "هنري لاوست: ٢٠٢".

ومن المعروف أن ابن تيمية عاش في دمشق والقاهرة في ظل حكم المماليك الذي تميز نظام حكمهم بالسيطرة والاستقلال والتخلف. ولذلك تعتبر آراء وأفكار ابن تيمية الدينية والسياسية بمثابة رد فعل واحتجاج على هذه الأوضاع فقد حرص على أن يستبدل نظام الحكم الذي يقوم على الاستقلال الاجتماعي من جانب أقلية عسكرية بمبدأ أسمى للتعاون الجماعي الذي يحقق للإسلام مجده الغابر "المرجع السابق ص٢٠٣".

يقول الشيخ محمد أبو زهرة "١٩٧٧: ٢٠٨" كان عصر ابن تيمية يموج بالاضطراب السياسي والمنازعات الحربية. كما كان يسوده التقليد والاتباع في عامة أبواب العلم. وكان الحنابلة الذين انتمى إليهم يخالفون الجمهور في استمساكه بآراء الأشاعرة فكان لذلك نزاع. وكان التصوف يسيطر على العامة في مصر والشام. فجرد ابن تيمية عليه سيف الدليل وناقشه الحساب. وكان الشيعة يتغلغلون في الربوع الإسلامية يبثون فيها أقوالا مخالفة لما تقرر لدى السلف. وقد تصدى ابن تيمية لهم وبين ما في آرائهم من فساد.

لم يكن تلقي العلم في عصر ابن تيمية من أفواه الرجال فقط كما كان الحال في عصر أبي حنيفة ومالك. بل كان تلقيه كما هو في عصر تدوين العلم الكتب يدرسها طالب العلم ويفحصها وينقب فيها ويمعن النظر فما حوته إلى

<<  <   >  >>