للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حفظت العرب أنسابها لما امتنعت عن سلطان يقهرها ويكف الأذى عنها لتكون به متظافرة على من ناواها متناصرة على من شاقها وعادها حتى بلغت بألفة الأنساب تناصرها على القوى الأيد. والمصاهرة كأحد أسباب الألفة هي استحداث مواصلة وتمازج مناسبة صدرا عن رغبة واختيار وانعقدا عن خير وإيثار. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} . أما المؤاخاة بالمودة كسبب للألفة فلأنها تولد المصافاة والإخلاص والوفاء، وهذا أعلى مراتب الألفة. ولذلك آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحاب من المهاجرين والأنصار. وأما البر كسبب للألفة فلأنه يوصل للقلوب ألطافا ويثنيها محبة وانعطافا. قال تعالى: {تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} . وروي عن ابن مسعود أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها".

وأما الأمر الثالث فهو المادة الكافية لأن حاجة الإنسان لازمة لا يعرى منها بشر. قال تعالى {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} . فإذا عدم المادة التي هي قوام نفسه لم تدم له حياة ولم يستقم له دين. وإذا تعذر شيء منها عليه لحقه من الوهن في نفسه والاختلال في دينه بقدر ما تعذر من المادة عليه. لأن الشيء القائم بغيره يكمل بكماله ويختل باختلاله. "الماوردي: ٢٠٨".

<<  <   >  >>