للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النجار على هذه الفكرة بقوله إنها مماثلة لفكرة رائجة عند الصوفية وهي فكرة الإنسان الكامل، ويقصدون بها ذروة الكمال في الإنسان وهي المتحققة في الأنبياء والرسل أو في ورثتهم عند انقطاع الرسل "الأصفهاني: تفصيل النشأتين: ص١٥٢".

والعبادة كما يعرفها الأصفهاني في كتاب النشأتين "ص١٥٧" هي "فعل اختياري مناف للشهوات البدنية يصدر عن نية يراد بها التقرب إلى الله طاعة للشريعة". وهو يعتبر الأفعال المباحة كالأكل والشرب ومجامعة المرأة عبادة إذا تحرى بها حكم الشريعة، أي يكون مقصودا بها تحقيق حكم شرعي مأمور به أو منهي عنه كالأكل للقوة على العمل والعبادة والجماع للنسل والامتناع عن الزنا والزينة لإظهار نعمة الله. والعبادة عنده ضربان: علم وعمل وحقهما أن يتلازما. لأن العلم كالأس والعمل كالبناء. وكما أنه لا يغني أس ما لم يكن بناء ولا يثبت بناء ما لم يكن أس كذلك لا يغني علم بغير عمل. ولا عمل بغير علم. والعلم أشرفهما ولكن لا يغني بغير عمل. ولشرفه قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيما الأعمال أفضل يا رسول الله؟ فقال: "العلم" فأعاد عليه السؤال فقال: "العلم". فقال الرجل في الثالثة: أسألك عن العمل لا عن العلم. فقال عليه السلام: "عمل قليل مع العلم خير من عمل كثير مع الجهل". وقال عليه السلام: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" "تفصيل النشأتين: ص١٥٩".

والغرض من العبادة تطهير النفس واجتلاب صحتها ليحقق للإنسان حياة أبدية وسلامة باقية. وطهارة النفس بإزالة رجسها ونجسها. فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة، لكن نجاسة البدن تدرك بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلا بالبصيرة. ومن طهرت نفسه طهر قلبه وفعله لأن السائل من لون الإناء وكل إناء بالذي فيه يرشح، ولهذا قيل: من طابت نفسه طاب عمله ومن خبثت نفسه خبث عمله. وطهارة النفس شرط لخلافة الله وإكمال عبادته وعمارة أرضه "الأصفهاني: الذريعة إلى مكارم الشريعة ص٣٦". وهكذا يبين الأصفهاني أن العبادة هي غاية الوجود الإنساني وأساس السلوك الأخلاقي السليم والسعادة الإنسانية في الدنيا والآخرة.

<<  <   >  >>