للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض؛ ولهذا كرم الله بني آدم وفضلهم على كثير من خلقه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} ، {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} ... ويقتضي هذا السمو إعلاء لغرائز الإنسان حتى لا يكون عبدا لهذه الغرائز وينحط إلى مستوى الحيوان. ونحن نستخدم كلمة الغرائز هنا لتعني الدوافع الفطرية في الإنسان. وقد عنيت التربية في الإسلام بأن تنشئ الفرد على التحكم في رغباته وعدم الانسياق وراء شهوته ونزواته، فموقف الإسلام الاعتدال والتوسط كما أشرنا، ويمكننا أن ننظر إلى الصوم على أنه إعلاء لشهوة الطعام عند الإنسان، كما أن الصوم أيضا إعلاء لشهوة الجنس لديه ... وقد ورد في الحديث "من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ... أي حماية وعصمة من الخطأ والانسياق وراء النزوات.

وطريقة الإسلام في الإعلاء لنوازع الإنسان ودوافعه تقوم على أساس وضع معايير وأهداف عليا للحياة الإنسانية وتكوين الإدارة القوية للإنسان. وهي عملية تدريب على الضبط الإداري للإنسان وتحكمه في شهواته وبواعث الهوى لديه والتحكم في عواطفه ومشاعره بقوة الإرادة. فلا يسلم نفسه للغضب يسيطر عليه ولا الغلط يتحكم فيه ولا الرغبة في الانتقام تتسلط عليه. كما تعود الإنسان على القيام بالأعمال الصالحة وشغل وقت فراغه بطريقة مفيدة بناءة فيما يفيده ويعود عليه النفع إما بالعمل والعبادة أو التسلية التي لا ضرر فيها وبالأمور المتاحة مثل الرياضة الجسمية والعقلية. وبفكر الإنسان يستطيع أن يغلب العقل على الهوى ... فإذا استخدم الإنسان عقله تغلب به على الهوى والعكس صحيح. وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: "الفكرة مترددة بين الشهوة والعقل ... والعقل فوقها والشهوة تحتها، فمتى مالت الفكرة نحو العقل ارتفعت وشرفت وولدت المحاسن، وإذا مالت إلى الشهوة تسفلت إلى أسفل السافلين وولدت القبائح" "الغزالي: ميزان العمل ص٥٦" قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} .

<<  <   >  >>