وليس المراد بِنُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إنّه يَنْزِل بشرية متجدّدة غير شريعة نبيّنا محمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وإنّما نزل مقرِّراً لهذه الشّريعة، ومجدِّداً لها؛ إذ هي آخر الشّرائع، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ آخر الرّسل. قال الله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، [الأحزاب، من الآية: ٤٠] . وقال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لا نَبِيَّ بَعدي". وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأكلمها وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فكان مَن دخلها ونظر إليها قال: ما أحسنها إلاّ موضع هذه اللّبنة! فأنا موضع هذه اللّبنة ختم بي الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ. رواه أبو داود الطّيالسي، ورواه الخباري ومسلم والتّرمذي إلى غير ذلك من الأحاديث. وأجمع المسلمون على أنّه لا نبي بعد نَبِيّنا محمّدٍ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وأنّ شريعته مؤبّدة إلى يوم القيامة. والحكمة في نُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ دون غيره من الأنبياء: الرّدّ على اليهود في زعمه: أنّهم قتلوه، فبيّن الله تعالى كذبّهم، وأنّه الذي يقتلهم. أو نُزُوله لدنوّ أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التّراب أن يموت في غيره. وقيل: إنّه دعا الله ـ لما رأى صفة محمّدٍ وأمّته ـ أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتّى يَنْزِلَ في آخر الزّمان مجدِّداً الأمر الإسلام، فيوافق خروج الدّجّال فيقتله، والأوّل أوجه.