للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدخلونها وأن المقتصد أو الظالم لنفسه لا يدخلها, كما تأول من المعتزلة فهو مقابل بتأويل المرجئة الذين لا يقطعون بدخول أحد من أهل الكبائر النار, ويزعمون أن أهل الكبائر قد يدخل جميعهم الجنة من غير عذاب, وكلاهما مخالف للسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولإجماع سلف الأمة وأئمتها.

وقد دل على فساد قول "الطائفتين" قول الله تعالى في آيتين من كتابه وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ١ فأخبر تعالى أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه لمن يشاء, ولا يجوز أن يراد بذلك التائب كما يقوله من يقوله من المعتزلة لأن الشرك يغفره الله لمن تاب, وما دون الشرك يغفر الله أيضا للتائب فلا تعلق بالمشيئة, ولهذا لما ذكر المغفرة للتائبين قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ٢ هنا عمم المغفرة وأطلقها, فإن الله يغفر للعبد أي ذنب تاب منه فمن تاب من الشرك غفر الله له ومن تاب من الكبائر غفر الله له وأي ذنب تاب العبد منه غفر الله له. ففي آية التوبة عمم وأطلق, وفي تلك الآية خصص وعلق, فخص الشرك بأنه لا يغفره, وعلق ما سواه على المشيئة. ومن الشرك التعطيل للخالق وهذا يدل على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكل مذنب, ونبه بالشرك على ما هو أعظم منه كتعطيل الخالق, أو يجوز أن لا يعذب بذنب, فإنه لو كان كذلك لما ذكر أنه يغفر البعض دون البعض, ولو كان كل ظالم لنفسه مغفورا له بلا توبة ولا حسنات ماحية لم يعلق ذلك بالمشيئة.

وقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} دليل على أنه يغفر البعض


١- الآية ١١٦ النساء.
٢- الآية ٥٣ الزمر.

<<  <   >  >>