للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النزاع في تكفيرهم وتخليدهم:١

وأما تكفيرهم وتخليدهم: ففيه أيضا للعلماء قولان مشهوران: وهما روايتان عن أحمد. وقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم, والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر, وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا. وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع, لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه, فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق, ولانحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له. وقد بسطت هذه القاعدة في "قاعدة التكفير".

ولهذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال: إذا أما مت فاحرقوني, ثم ذروني في اليم, فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين, مع شكه في قدرة الله وإعادته, ولهذا لا يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالإسلام أو لنشأته ببادية بعيدة, فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة. وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه, ولا يعلم أن الرسول بعث بذلك, فيطلق أن هذا القول كفر, ويكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها, دون غيره. والله أعلم.

٢ وإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم, وإنما تنازعوا في تكفيرهم. على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد, وفي مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم


١- ص ٥٠٠ ج ٢٨ مجموع الفتاوى.
٢- ص ٥١٨ ج ٢٨ مجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>