ليس في الكتاب والسنة المظهرون للإسلام إلا قسمان: مؤمن أو منافق فالمنافق في الدرك الأسفل من النار, والآخر مؤمن, ثم قد يكون ناقص الإيمان فلا يتناوله الاسم المطلق, وقد يكون تام الإيمان, وهذا يأتي الكلام عليه إن شاء الله في مسألة الإسلام والإيمان, وأسماء الفساق من أهل الملة, لكن المقصود هنا أنه لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا ببدعة ابتدعها –ولو دعا الناس إليها- كافرا في الباطن, إلا إذا كان منافقا. فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به وقد غلط في بعض تأوله من البدع, فهذا ليس بكافر أصلا, والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها, ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره, بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع.
وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة, من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن, وإن أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه, وقد يكون في بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين, بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة, فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة, وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات, كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع.