للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بوجوبها فهو كفر باتفاقهم, وليس الأمر كما يفهم من إطلاق بعض الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم: أنه إن جحد وجوبها كفر, وإن لم يجحد وجوبها فهو في مورد النزاع, بل هن ثلاثة أقسامك

أحدها: إن جحد وجوبها فهو كافر بالاتفاق.

والثاني: أن لا يجحد وجوبها, لكنه ممتنع من التزام فعلها كبرا أو حسدا, أبغضا لله ورسوله, فيقول: أعلم أن الله أوجبها على المسلمين, والرسول صادق في تبليغ القرآن’ ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكبارا أو حسدا للرسول, أو عصبية لدينه, أو بغضا لما جاء به الرسول, فهذا أيضا كافرا بالاتفاق, فإن إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحدا للإيجاب. فإن الله تعالى باشره بالخطاب, وإنما أبى واستكبر وكان من الكافرين, وكذلك أبو طالب كان مصدقا للرسول فيما بلغه لكنه ترك إتباعه حمية لدينه, وخوفا من عار الانقياد, واستكبارا على أن تعلو أسته رأسه فهذا ينبغي أن يتفطن له.

ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا من يجحد وجوبها فيكون الجحد عنده متناولا للتكذيب بالإيجاب ومتناولا للامتناع عن الإقرار والالتزام كما قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} ١, وقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} ٢, وإلا فمتى لم يقر ويلتزم فعلها قتل وكفؤ بالاتفاق.

والثالث: أن يكون مقرا ملتزما, لكن تركها كسلا وتهاونا, أو اشتغالا بأغراض له عنها, فهذا مورد النزاع, كمن عليه دين وهو مقر بوجوبه ملتزم لأدائه, لكنه يمطل بخلا أو تهاونا.


١-الآية ٣٣ الأنعام.
٢-الآية ١٤ النمل.

<<  <   >  >>