وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية كما أنكر شريح قراءة من قرأ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} ١ وقال: إن الله لا يعجب, فبلغ ذلك ابراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه. كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ {بَلْ عَجِبْتَ} .
وكما نازعت عائشة وغيرها من الصحابة في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم رؤية ربه, وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. ومع هذا لا نقول لابن عباس ونحوه من المنازعين لها, إنه مفتر على الله وكما نازعت في سماع الميت كلام الحي, وفي تعذيب الميت ببكاء أهله, وغير ذلك.
وقد آل الشر بين السلف الاقتتال, مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعا مؤمنتان, وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم, لأن المقاتل وإن كان باغيا فهو متأول, والتأويل يمنع الفسوق.
وكنت أبين لهم أنما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق, لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين. وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة "الوعيد" فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقه كقوله {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} الآية, وكذلك سائر ما ورد: من فعل كذا فله كذا. فإن هذه مطلقة عامة.
وهي بمنزلة قول من قال من السلف من كذا: فهو كذا. ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه, بتوبة, أو حسنات ماحية, أو مصائب مكفرة, أو شفاعة مقبولة.