للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان تائبا, فإن كان ناقصا, فوقعت السيئات من صاحبه كان ماحيا لها بعد الوقوع فهو كالترياق الذي يدفع أثر السم, ويرفعه بعد حصوله, وكالغذاء من الطعام والشراب, وكالاستمتاع بالحلال الذي يمنع النفس عن طلب الحرام, فإذا حصل له طلب إزالته, وكالعلم الذي يمنع من الشك, ويرفعه بعد وقوعه, وكالطب الذي يحفظ الصحة ويدفع المرض, وكذلك ما في القلب من الإيمان يحفظ بأشباهه مما يقوم به.

وإذا حصل منه مرض من الشبهات والشهوات أزيل بهذه, ولا يحصل المرض إلا لنقص أسباب الصحة, وكذلك القلب لا يمرض إلا لنقص إيمانه. وكذلك الإيمان والكفران متضادان, فكل ضدين: فأحدهما يمنع الآخر تارة, ويرفعه أخرى, كالسواد والبياض كذلك الحسنات والسيئات. (ويقول) المعتزلة إن الكبيرة تحبط الحسنات حتى الإيمان. (و) قالوا: من رجحت سيئاته خلد في النار.

وما ادعته المعتزلة مخالف لأقوال السلف, فإنه سبحانه ذكر حد الزاني وغيره, ولم يجعلهم كفارا حابطي الأعمال, ولا أمر بقتلهم كما أمر بقتل المرتدين, والمنافقون لم يكونوا يظهرون كفرهم, والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة على الغال, وعلى قاتل نفسه, ولو كانوا كفارا ومنافقين لم تجز الصلاة عليهم, فعلم أنهم لم يحبط إيمانهم كله, وقال عمن شرب الخمر "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" ١ وذلك الحب من أعظم شعب الإيمان, فعلم أن إدمانه لا يذهب الشعب كلها, وثبت من وجوه كثيرة: "يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان" ٢ ولو


١- البخاري: كتاب الحدود/ باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة.
٢- البخاري: كتاب الإيمان/ باب تفاضل أهل الإيمان.
مسلم: كتاب الإيمان/ باب إثبات الشفاعة.

<<  <   >  >>