للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك سبب قد يكون رئيسا في تحوله من علم الكلام إلى الفقه، وهو ما رواه الخطيب البغدادي عن زفر بن الهذيل قال: سمعت أبا حنيفة يقول:

"كنت أنظر في الكلام حتى بلغت مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجائتني امرأة فقالت: رجل له امرأة أَمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها؟ فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حمادا فترجع فتخبرني، فسألت حمادا فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج، فرجعت فأخبرتني فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي فجلست إلى حماد ... " ١.


= نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين في ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من طول بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا قيل وقالوا
ويقول الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
وسيّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر
على ذقنه أو قارعا سن نادم
لذا قال ابن عقيل في وصف حال المتكلمين وشدة حيرتهم:
"قد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك وكثير منهم إلى الإلحاد، تشم رائحة الإلحاد من فلتات المتكلمين، وأصل ذلك أنهم ما قنعوا بما قنعت به الشرائع ... "
وهذا ما وصفهم به القرطبي حيث قال:
"وقد أفضى الكلام بكثير من أهله وببعضهم إلى الإلحاد وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره ... ".
انظر كتاب نهاية الإقدام ص٣؛ والحموية ص٩١؛ وكتاب تلبيس إبليس ص٩٣؛ وفتح الباري ١٣/٣٥٠.
١ تاريخ بغداد ١٣/٣٣٣.

<<  <   >  >>