للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش؛ ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه ليس لحاجته إليه، بل له في ذلك حكمة اقتضته، وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاويا للعالي محيطا به حاملا له ولا أن يكون الأعلى مفتقرا إليه فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها، فالرب تعالى أعظم شأنا وأجل من أن يلزم من علوه ذلك بل لوازم علوه من خصائصه، وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته عز وجل به فهو فوق العرش، مع حمله بقدرته للعرش، وحملته وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش، وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش، وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق، ونفاة العلو أهل التعطيل لو فصلوا بهذا التفصيل لهدوا إلى سواء السبيل، وعلموا مطابقة العقل للتنزيل ولسلكوا خلف الدليل ولكن فارقوا الدليل فضلوا عن سواء السبيل، والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} "سورة الأعراف: الآية٥٤".

كيف استوى؟ فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول ... " ١.

ففرق الإمام مالك بين المعنى المعلوم من هذا اللفظ، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر. وهذا هو ما اختاره الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، فقد قال الملاّ علي القاري بعد أن ذكر قول الإمام مالك المتقدم: "اختاره إمامنا الأعظم وكذا كل ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من الصفات" ٢. وما قاله الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى في صفة الاستواء هو


١ شرح العقيدة الطحاوية ص٢٩٠، ٢٩١.
٢ شرح الآمالي ص٣١.

<<  <   >  >>