قوله:"الكفر هو التكذيب والجحود" فيه نظر: لأنه لا شك أن التكذيب والجحود نوعان من الكفر، لكنهما ليسا جميع الكفر، والكفر أعم من التكذيب والجحود فلا يتحقق الكفر في صورة التكذيب والجحود فقط، بل الإعراض والمخالفة والمعاداة بلا تكذيب وجحود، مثل كفر أبي طالب فإنه لم يكذب ولم يجحد، ومع ذلك فهو كافر حيث أعرض عن الاعتراف بالحق، ولم يظهره. وأما قوله:"إن التكذيب والجحود يكونان بالقلب فكذا ما يضادهما وهو الإيمان يكون بالقلب".
فأول من عرف عنه هذا القول هو الجهم بن صفوان فقد قال:"إن الإيمان والكفر لا يكونان إلا بالقلب دون غيره من الجوارح" ١. وهذا قول فاسد، والحق أن الكفر كما يكون بالقلب، كذلك يكون باللسان والجوارح، لأن كثيرا من صناديد الكفار من مشركي قريش كانوا يكفرون ويكذبون باللسان فقط مع تصديقهم للرسول صلى الله عليه وسلم بقلوبهم، عنادا منهم وجحودا واستكبارا بل لو قيل: إن الجحود لا يكون بالقلب فقط بل وباللسان لكان هو الصواب؛ فإن فرعون وأمثاله كانوا مستيقنين في أنفسهم وإن جحدوا بألسنتهم، كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}"سورة النمل: الآية١٤".
وقال تعالى:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}"سورة الأنعام: الآية٣٣".