للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الآجري: "من صفة أهل الحق ممن ذكرنا من أهل العلم الاستثناء في الإيمان لا على جهة الشك نعوذ بالله من الشك في الإيمان، ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال بالإيمان، لا يدري أهو ممن يستحق حقيقة الإيمان أم لا؟ وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سألوا: أمؤمن أنت؟ قال: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار وأشباه هذا، والناطق بهذا، والمصدق به بقلبه مؤمن، وإنما الاستثناء بالإيمان لا يدري أهو ممن يستوجب ما نعت الله عزَّ وجلَّ به المؤمنين من حقيقة الإيمان أم لا؟ هذا طريق الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، عندهم أن الاستثناء في الأعمال، لا يكون في القول والتصديق بالقلب، وإنما الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان، والناس عندهم على الظاهر مؤمنون به يتوارثون، وبه يتناكحون، وبه تجري أحكام ملة الإسلام، ولكن الاستثناء منهم على حسب ما بيناه لك وبينه العلماء من قبلنا ... "١.

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن السلف سلكوا مسلكا وسطا في الاستثناء وتركه، وفصلوا في ذلك، فلم يقولوا بتحريم الاستثناء مطلقا كقول المرجئة، ولا بوجوب الاستثناء مطلقا كقول الكلابية، وإنما أوجبوه في حال، ومنعوه في حال، مستدلين بأدلة ٢ من الكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} "سورة الفتح: الآية٢٧".


١ كتاب الشريعة ص١٣٦.
٢ انظر هذه الأدلة في كتاب الشريعة ص١٣٦-١٤٠؛ وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٣/٩٦٥-٩٨٥.

<<  <   >  >>