للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم انتشر المذهب شيئا فشيئا حتى غطى رقعة كبيرة من الأراضي الإسلامية.

قال ابن خلدون: "وأما أبو حنيفة فقلده اليوم أهل العراق، ومسلمة الهند والصين، وما وراء النهر وبلاد العجم كلها" ١.

قلت: هذا في زمن ابن خلدون أي في القرن الثامن، وأما الذي ساعد على بقائه من زمنه إلى الآن تطبيق الدولة العثمانية لمذهب أبي حنيفة في جميع الولايات الإسلامية التي كانت تحت سلطانها، وقد بقيت بعض البلاد العربية ـ كالشام ومصر وغيرهما ـ تعمل محاكمها الشرعية ـ الخاصة بالأحوال الشخصية ـ وفق مذهب أبي حنيفة بعد انحسار الحكم العثماني. هذه منزلة أبي حنيفة في الفقه، وأما في الحديث فسأتناولها في الفقرة الآتية.

ثانيا ـ الحديث:

اشتغل الإمام بطلب علم الحديث بعد سنة مائة للهجرة ٢، فسمع الحديث من شيوخ أجلاّء كثيرين تقدم ذكر بعضهم ٣، وارتحل في سبيل ذلك ٤ ... ومع هذا فهو مقل في رواية الحديث ولعل السبب في ذلك تشدده في الرواية فهو لا يرى الرواية إلا لمن يحفظ. قال ابن الصلاح: "شدد قوم في الرواية فأفرطوا، وتساهل فيها آخرون ففرّطوا ومن التشدد


١ المقدمة ٣/١٠٥٢.
٢ سير أعلام النبلاء ٦/٣٩٦.
٣ انظر ص٧٣ من هذه الرسالة.
٤ سير أعلام النبلاء ٦/٣٩٦.

<<  <   >  >>