وقد دل على هذا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} والأصل هو الذكر فمنه البدر ومنه السقي والأنثى وعاء ومستودع لولده تربيه في بطنها كما تربيه في حجرها ولهذا كان الولد للأب حكماً ونسباً وأما تبعيته للأم في الحرية والرق فلأنه إنما تكون وصار ولدا في بطنها وغذته بلبائها مع الجزء الذي فيه منها وكان الأب أحق بنسبه وتعصيبه لأنه أصله ومادته ونسخته وكان أشرفهما ديناً أولى به تغليباً لدين الله وشرعه
فإن قيل فهلا طردتم هذا وقلتم لو سقط بذر رجل في أرض آخر يكون الزرع لصاحب الأرض دون مالك البذر
قيل الفرق بينهما أن البذر مال متقوم في أرض آخر فهو لمالكه وعليه أجرة الأرض أو هو بينهما بخلاف المنى فإنه ليس بمال ولهذا نهى الشارع فيه عن المعاوضة واتفق الفقهاء على أن الفحل لو نزا على رمكة كان الولد لصاحب الرمكة
[فصل]
فإن قيل فهل يتكون الجنين من ماءين وواطئين قيل هذه مسألة شرعية كونية والشرع فيها تابع للتكوين وقد اختلف فيها شرعاً وقدراً فمنعت ذلك طائفة وأبته كل الاباء وقالت الماء إذا استقر في الرحم اشتمل عليه وانضم غاية الانضمام بحيث لا يبقى فيه مقدار رسم رأس إبراة إلا انسد فلا يمكن انفتاحه بعد ذلك لماء ثان لا من الواطئ ولا من غيره