وهاتان الآيتان متضمنتان إثبات الشرع والقدر والأسباب والمسببات وفعل العبد واستناده إلى فعل الرب ولكل منهما عبودية مختص بها فعبودية الآية الأولى والاجتهاد واستفراغ الوسع والاختيار والسعي وعبودية الثانية الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه واستنزال التوفيق والعون منه والعلم بأن العبد لا يمكنه أن يشاء ولا يفعل حتى يجعله الله كذلك
وقوله رب العالمين ينتظم ذلك كله ويتضمنه فمن عطل أحد الأمرين فقد جحد كمال الربوبية وعطلها وبالله التوفيق
[فصل]
ومن ذلك قوله تعالى {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} فهذه خمسة أمور وهي صفات الملائكة
فأقسم سبحانه بالملائكة الفاعلة لهذه الأفعال إذ ذلك من أعظم آياته وحذف مفعول النزع والنشط لأنه لو ذكر ما تنزع وتنشط لأوهم التقييد به وأن القسم على نفس الأفعال الصادرة من هؤلاء الفاعلين فلم يتعلق الغرض بذكر المفعول كقوله:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} ونظائره فكان نفس النزع هو المقصود لا عين المنزوع