للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يرها قط اعتماداً منه على الصوت بل لو كانت خرساء أيضاً وهو أطرش جاز له الوطء

وقد جعل الله سبحانه بين السمع والبصر والفؤاد علاقة وارتباطاً ونفوذاً يقوم به بعضها مقام بعض ولهذا يقرن سبحانه بينهما كثيراً في كتابه كقوله {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} وقوله {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} وهذا من عناية الخالق سبحانه بكمال هذه الصورة البشرية لتقوم كل حاسة منها مقام الحاسة الأخرى وتفيد فائدتها في الجملة لا في كل شيء

ثم أودع سبحانه قوة التفكر وأمره باستعمالها فيما يجدي عليه النفع في الدنيا والآخرة فركب القوة المفكرة من شيئين من الأشياء الحاضرة عند القوة الحافظة تركيباً خاصاً فيتولد من بين هذين الشيئين شيء ثالث جديد لم يكن للعقل شعور به كانت مواده عنده لكن بسبب التركيب حصل له الأمر الثالث ومن ههنا حصل استخراج الصنائع والحرف والعلوم وبناء المدن والمساكن وامور الزراعة والفلاحة وغير ذلك فلما استخرجت القوة المفكرة ذلك واستحسنته سلمته إلى القوة الإرادية العلمية فنقلته من ديوان الأذهان إلى ديوان الأعيان فكان أمراً ذهنياً ثم صار وجودياً خارجياً ولولا الفكرة لما اهتدى الإنسان إلى تحصيل المصالح ودفع المفاسد وذلك من

<<  <   >  >>