للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وقد يبدو مقتل ابن الأشرف متسمًا بالغدر، ولكن صاحب النظر الفاحص، والبصيرة النافذة يدرك أن ابن الأشرف معاهد بموجب الصحيفة التي التزم فيها يهود بني النضير مع الآخرين، وأنه بهجائه للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو رئيس الدولة بالنسبة لابن الأشرف، وبإظهاره التعاطف مع أعداء المسلمين ورثاء قتلاهم، وتحريضهم على المسلمين يكون قد نقض العهد وصار محاربا مهدور الدم، وأما استدراجه ممن يثق بهم وقتله بالخديعة، فإنه جائز مع المحارب، وقد تم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"١.

هذا وقد ذكر ابن القيم أن قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم جائز بإجماع الخلفاء الراشدين ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف، فإن الصديق رضي الله عنه قال لأبي برزة وقد هم بقتل من سبه: لم يكن هذا لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومر عمر رضي الله عنه براهب، فقيل له: هذا يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو سمعته لقتلته، إنا لم نعطهم الذمة على أن يسبوا نبينا صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل عبد الله بن أُبي وقد قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل، ولم يقتل ذا الخويصرة التميمي وقد قال له: اعدل، فإنك لم تعدل، ولم يقتل من قال له: يقولون: إنك تنهى عن الغي وتستخلي به، ولم يقتل القائل له: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، ولم يقتل من قال له لما حكم للزبير بتقديمه في السقي: إن كان ابن عمتك، وغير هؤلاء، قيل: الحق كان له فله أن يستوفيه، وله أن يسقطه، وليس لمن بعده أن يسقط حقه، كما أن الرب تعالى له أن يستوفي حقه، وله أن يسقط، وليس لأحد أن يسقط حقه تعالى بعد وجوبه، كيف وقد كان في ترك قتل من ذكرتم وغيرهم مصالح عظيمة في حياته زالت بعد موته من تأليف الناس، وعدم تنفيرهم عنه، فإنه لو بلغهم أنه يقتل أصحابه، لنفروا، وقد أشار إلى هذا


١ الدكتور أكرم ضياء العمري: المجتمع المدني، خصائصه وتنظيماته الأولى (١٤٢-١٤٣) .

<<  <   >  >>