للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعينه، وقال لعمر لما أشار عليه بقتل عبد الله بن أبي: "لا يبلغ الناس أن محمدا يقتل أصحابه".

ولا ريب أن مصلحة هذا التأليف، وجمع القلوب عليه كانت أعظم عنده وأحب إليه من المصلحة الحاصلة بقتل من سبه وآذاه. ولهذا لما ظهرت مصلحة القتل، وترجحت جدًّا قَتَلَ الساب، كما فعل بكعب بن الأشرف فإنه جاهر بالعداوة والسب فكان قتله أرجح من إبقائه، وكذلك قَتَلُ ابن خطل، ومقيس، والجاريتين، وأم ولد الأعمى، فقتل للمصلحة الراجحة، وكف للمصلحة الراجحة، فإذا صار الأمر إلى نوابه وخلفائه، لم يكن لهم أن يسقطوا حقه"١.

ولا ريب أن المحاربة بسب نبينا أعظم أذيةً ونكاية لنا من المحاربة باليد ومنع دينار جزية في السنة، فكيف يُنقض عهده ويُقتل بذلك دون السب، وأي نسبة لمفسدة منعه دينارًا في السنة إلى مفسدة منع مجاهرته بسب نبينا أقبح سب على رءوس الأشهاد، بل لا نسبة لمفسدة محاربته باليد إلى مفسدة محاربته بالسب، فأولى ما انتقض به عهده وأمانه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينتقض عهده بشيء أعظم منه إلا سبه الخالق سبحانه. فهذا محض القياس ومقتضى النصوص، وإجماع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وعلى هذه المسألة أكثر من أربعين دليلا٢.

وقال الزرقاني: واستشكل قتله على هذا الوجه –وأجاب المنازري: بأنه إنما قتله كذلك لأنه نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهجاه وسبه، وكان عاهده أن لا يعين عليه أحدًا، ثم جاءه مع أهل الحرب معينًا عليه.

قال عياض: ولا يحل لأحد أن يقول إن قتله كان غدرًا، وقد قال ذلك إنسان في مجلس علي بن أبي طالب فأمر به فضُربت عنقه، وإنما يكون الغدر


١ ابن القيم، زاد (٣/٤٤١) .
٢ ابن القيم، زاد (٣/٤٤٠) .

<<  <   >  >>