للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيا له من موقف رائع تجلَّت فيه سماحة الإسلام بأبهى صورها ومعانيها، ولا غرابة في ذلك، فهو نبي الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم.

ورد في ثنايا ههذه القصة بعض الأحكام، أوردها ابن حجر وغيره، منها حكم التحريق بالنار، قال ابن حجر: واختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر، وابن عباس، وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حالة مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي، وخالد بن الوليد وغيرهما. وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم، بل على سبيل التواضع، ويدلُّ على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى، وقد حرَّق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرَّق خالد بن الوليد بالنار أناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها. قاله الثوري والأوزاعي. وقال ابن المنير: لا حجة فيما ذُكر للجواز لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم، وتجويز الصحابي معارَض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم. وأما حديث وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو اجتهاد منه. وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه. وقد اختلف في مذهب مالك في أصل المسألة، وفي التدخين، وفي القصاص بالنار١.

وقال البغوي: فأما تحريق الكافر بعد ما وقع في الأسر، وتحريق المرتد، فذهب عامتهم إلى أنه لا يجوز إنما يقتله بجزِّ الرقبة٢.

أما الخطابي فقال: إنما يكره إذا كان الكافر أسيرا قد ظفر به وحصل في


١ ابن حجر، فتح (٦/١٥٠) .
٢ البغوي، شرح السنة (١١/٥٥) .

<<  <   >  >>