على أي تحشد آخر لهم مضاد للمسلمين، حيث التقوا بهم في وادٍ يسمى أوطاس١، وهناك دارت معركة قوية بين الطرفين قتل فيها دريد بن الصِّمة. "وهزم الله أصحابه"٢ بعد أن "أفضى فيهم إلى الذرية"٣
١ قال عياض: هو واد في دار هوازن، وهو موضع حرب حنين.
وهذا الذي قاله ذهب إليه أهل السير، والراجح أن أوطاس غير وادي حنين، ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى بجيلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبو عامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس، كما يدل عليه حديث الباب، ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف. ابن حجر، فتح (٨/٤٢) .
وقال البكري: أوطاس –بفتح أوله، وبالطاء والسين المهملتين، واد في ديار هوازن وهناك عسكروا هم وثقيف، إذ أجمعوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتقوا بحنين. البكري، معجم ما استعجم (١/٢١٢) .
وذكر الحربيّ: أن بأوطاس قصورا، وأبياتا، وحوانيت، ويركة، يسرة، ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرضع في تلك الناحية، وثمّ مسجد يقال له مسجد عائشة رضي الله عنها، بناه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عم المنصور.
أما البلادي فقال: أوطاس سهل يقع على طريق حاج العراق إذا أقبل من نجد قبل أن يصعد الحرة، فالحاج إذا تسهل من كشب مرّ بطريق وجزة الشمالي، ثم في غمرة وبها بركة تنسب إلى زبيدة، ثم يجزع وادي العقيق –وليس هذا بعقيق المدينة- ثم يسير في أوطاس ساعة، فهي ضفة العقيق اليسرى، ثم يصعد الحرة، فَيَرِدِ الضريبة الميقات، فهي شمال شرقي مكة، وشمال بلدة عشيرة، وتبعد عن مكة قرابة (١٩٠) كيلا على طريق متعرجة. البلادي، معجم المعالم الجغرافية في السيرة (٣٤) .
٢ من رواية البخاري عن أبي موسى. ابن حجر، فتح (٨/٤١) قال: واختلف في قاتله، فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع –بفاء مصغَّر- ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي، وكان يقال له: ابن الذعنة –بمعجمة ثم مهملة، ويقال: بمهملة ثم معجمة- وهي أمه.
وقال ابن هشام: يقال اسمه عبد الله بن قبيع بن أهبان، وساق بقية نسبه، ويقال له –أيضا- ابن الذعنة وليس هو ابن الذعنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة.
وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد هو الزبير بن العوام، ولفظه "ولما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة، فقال: خلوهم لي، فخلوهم، فقال: هذه فضاعة ولا بأس عليكم، ثم رأوا كتيبة مثل ذلك فقال: هذه سليم، ثم رأوا فارسًا وحده، فقال: خلوه لي، فقالوا: معتجر بعمامة سوداء، فقال: هذا الزبير بن العوام، وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال: فالتفت الزبير فرآهم فقال: علام هؤلاء ههنا؟ فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلثمائة، فحزَّ رأس دريد بن الصمّة فجعله من يديه.
ويحتمل أن يكون ابن الذعنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنُسبب إلى الزبير مجازا. ويقال: إنه لما قتل ابن عشرين، ويقال: ابن سنتين ومائة سنة. ابن حجر، فتح (٨/٤٢) .
وروى البيهقي بإسناده إلى الشافعي قال: قتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله.البيهقي، سنن (٩/٩٢) .
٣ رواه أحمد عن الأسود بن سريع ولفظه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم على قتل الذريّة؟ " قالوا: يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين. قال: "وهل خياركم إلا أولاد المشركين ... ". الحديث. البنا، الفتح (١٤/٦٥) وقال عنه: ورجاله رجال الصحيح. كما رواه البيهقي، سنن (٩/١٣٠) .