للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويذكر ابن إسحاق في روايته المنقطعة: أن بني جذيمة لما سمعوا بخبر السرية استعدوا للقتال ولبسوا السلاح١، وعلى الغميصاء٢ تقابل الجيشان، فدعاهم خالد إلى الإسلام "فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا"٣.

ونظرًا لما هذه الكلمة من ماضٍ سيء في تاريخ الإسلام، حيث كانت تطلق في مقام الذم للمسلمين الأوائل بمكة، والاستهزاء بهم من قِبَلِ المشركين، ونظرا لدقة الموقف وحراجته والذي يتطلب سرعة الخاطر في إعطاء القرار الحاسم من أي قائد يحرص على نجاح مهمته، فقد تأوَّل خالد بن الوليد رضي الله عنه "الذي كان يعرف الكلمة وظروف استعمالها"٤، كلمتهم تلك على أنها استهزاء وسخرية بالمسلمين "فجعل يقتل منهم ويأسر"٥ثم إنه أمر بعد فترة بقتل الأسرى باعتبار أنهم كانوا مستهزئين بالإسلام، فرأى أنه لا بدَّ وأن يثخن فيهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم من الأعراب.

ولكن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر، وبعض الصحابة رضي الله عنهم كما تذكر روايات أهل المغازي٦، لم ينقادوا لأمر خالد رضي الله عنه وخالفوه في اجتهاده، ورأوا أن بني جذيمة قد "عبروا عن إسلامهم بما يعرفون"٧، وكان أكثرهم معارضة له عبد الرحمن بن عوف،


١ رواية ابن إسحاق حول هذه السرية هي من مراسيل أبي جعفر محمد بن علي الباقر فهي منقطعة. انظر أكرم العمري، المجتمع المدني (١٩٤) .
٢ الغميصاء –بضم أوله وفتح ثانيه وبالصاد المهملة- على لفظ التصغير: مكان أسفل مكة على ليلة ناحية بلملم.انظر ابن سعد، طبقات (٢/١٤٧) ، والبكري، معجم (٣/١٠٠٠) ، وذكر البلادي أنه لا يعرف موضعا قريبا من مكة يعرف بهذا الاسم، وأنه ربما تغيَّر اسم المكان مع الزمن. البلادي، معالم مكة (٢٠٥) .
٣ من رواية الزهري عند البخاري. انظر ابن حجر، فتح (٨/٥٧، ١٣/١٨٢) .
٤ أكرم العمري، المجتمع المدني (١٩٤) .
٥ من رواية الزهري عند البخاري: انظر ابن حجر، فتح (٨/٥٧، ١٣/١٨٢) .
٦ انظر ابن هشام، سيرة (٤/٤٣٠-٤٣١) ، والواقدي، مغازي (٣/٨٨٠-٨٨١) .
٧ أكرم العمري،المجتمع المدني (١٩٤) .

<<  <   >  >>