للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء، بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله تعالى سبحانه أمارة على قضاء الحاجة، فمتى وقف العبد للدعاء كان ذلك علامة له، وأمارة على أن حاجته قد قضيت. وهكذا، كما إذا رأيت غيماً أسوداً بارقاً في زمن الشتاء، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر. قالوا: وهكذا حكم الطاعات مع الثواب، والكفر والمعاصي مع العقاب، هي أمارات محضة لوقوع الثواب، لا أنها أسباب له، وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار، والحرق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل، ليس شيء من ذلك سبباً ألبتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا بمجرد الاقتران العادي، لا التأثير السببي، وخالفوا بذلك الحس، والعقل والشرع والفطرة وسائر طوائف العقلاء، بل أضحكوا عليهم العقلاء.

والصواب: أن هنا قسماً ثالثاً غير ما ذكره السائل، وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى ما لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه، إلى أن قال:

<<  <   >  >>