والاستغاثة بما يقدر عليه المستغاث مستحسنة عقلاً وشرعاً، ومن ذلك الرفقة يستغيث بعضهم بعضاً أي في مهماتهم التي يقدرون عليها، وكذلك ما طلب الناس منه، وهي الشفاعة التي هي الدعاء، ولذلك يقول سيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:"فأجيء فأسجد" وأنه يلهمه الله من الثناء والدعاء شيئاً لم يلهمه لغيره صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك يأذن الله بالشفاعة، ويقول له كما ورد في الحديث:" يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع، واشفع تشفع" وهذا ظاهر جداً.
وأما ما أورده على الجواب من أن للمستغاث بهم قدرة كسبية وتسبباً فتنسب الإغاثة إليهم بهذا المعنى، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، وسواء كانت الاستغاثة بما يقدر عليه المستغاث، أم لا، مدفوع بأن كون العبد له قدرة كسبية لا يخرج بها عن مشيئة رب البرية، لا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يستعان به، ولا يتوكل عليه، ولا يلجأ في ذلك إليه، فلا يقال لأحد حي أو ميت، قريب أو بعيد: ارزقني أو أمتني، أو أحي ميتي، أو اشف مريضي، إلى غير ذلك مما هو من الأفعال الخاصة بالواحد الأحد، الفرد الصمد، بل يقال لمن له قدرة كسبية قد جرت العادة بحصولها ممن أهله الله لها: أعني في حمل متاعي، أو غير ذلك