للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كتاب الموافقات والاعتصام للإمام الشاطبي]

السؤال

ما رأيكم في كتاب الموافقات للشاطبي وكذلك كتاب الاعتصام؟

الجواب

بالنسبة لكتاب الموافقات للإمام الشاطبي فإنه يعتبر من أجل الكتب في فهم مقاصد الشريعة، وهذا يعتبر كتاباً مبتكراً مما زاد في قيمته؛ لأن الأصوليين يوم وضعوا أصول الفقه وضعوا القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حكم الله عز وجل من النص بأي طريقة كانت، فهذا مقصود أصول الفقه: معرفة حكم الشارع من النصوص.

إما مقاصد الأحكام الشرعية هذه فلم يتعرض لها الأصوليون في أصول الفقه، لذا أتى الإمام الشاطبي رحمه الله وصنف لمقاصد الشريعة كتاب الموافقات، ووضع قواعد كلية لم يسبق إليها.

فلذلك تجد هذا الكتاب عبارته مغلقة، فافتح كتاب الموافقات تجده عربياً، ولكن لا تفهم كلمة إلا لماماً، فهو كتاب في غاية الصعوبة، وأتى الشيخ دراز رحمه الله وأراد أن يفسره فزاده تعقيداً.

فهذا الكتاب آخر شيء يقرأ، فلا يأتي أحد في أول العلم وفي يده كتاب الموافقات، ويظل يقرأ، فإنه لن يفهم شيئاً ويصده ذلك عن تحصيل دقيق للأصول.

إنما الأصل أن الإنسان يبدأ في كتاب مختصر في أصول الفقه، والكتب الأصولية للأصوليين المتأخرين أو المصنفين في الأصول المتأخرين اقتبسوا فيها مقاصد الشريعة عن الشاطبي بصورة سهلة.

ولكن الأصوليين القدماء لم يدخلوا مقاصد الشريعة بصورة واضحة، إنما يمكن أن يكتب فيها سطراً بحيث أن لا يفهم أحد أن هذا يقصد أنه يحدد مقاصد الشريعة، حتى أتى الإمام الشاطبي فحدده.

وأيضاً كتاب الاعتصام من أجل الكتب وأنفعها، ويجب على جميع المسلمين الذين يعتنون بمعرفة السنة من البدعة أن يقرءوا هذا الكتاب، فإني ما رأيت مثله في بابه، والعلماء شبه مجمعين على أن هذا الكتاب أجل كتاب في تعريف السنة العملية، وكيف يكون المرء سنياً.

وأتى بالبدعة وأنكر تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام، كما هو تقسيم الإمام الشافعي لها، وقال: إن البدعة بدعة حقيقية وبدعة إضافية، وأنه لا يوجد في الدين شيء اسمه بدعة حسنة إطلاقاً، لأنك إن أتيتني بأي شيء لم يوجد في عصر النبوة لابد أن يكون له أصل عام يندرج تحته.

بناء المستشفيات وغيره كل هذا داخل تحت الاستشفاء، والاستشفاء عندنا فيه أحاديث صحيحة، فإذاً: المستشفيات بدعة لغوية.

كذلك صلاة التراويح على إمام واحد في شهر رمضان هذا لم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وسنَّة عمر وقال: (نعمت البدعة هذه) ، لما رأى أبي بن كعب يصلي بالمسلمين كلهم على إمام واحد بعدما كانوا يصلونها متفرقين، فقال القائلون بالبدعة الحسنة: قول عمر: (نعمت البدعة) أي: أنها بدعة حسنة، وهذا مدح للبدع.

فبين الإمام الشاطبي أن البدعة المقصود بها هنا هي البدعة اللغوية؛ لأن عمر هو أول من جمع الناس على إمام واحد وفي مسجد وجماعة، ولكن هل صلاة التراويح جماعة ابتدعها عمر؟ الجواب: لا، بل قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ليلتين أو ثلاثاً، ولكن خشي أن تفترض على الأمة، فلم يكمل، فأصل صلاة التراويح جماعة لم يبتدعها عمر إنما صلاها النبي عليه الصلاة والسلام.

وقول عمر: (نعمت البدعة هذه) أي: أنه أول من ابتكر القيام وراء إمام واحد وفي المسجد إلى آخره.

فهذا الكتاب فعلاً كتاب ممتاز واسمه يدل عليه (كتاب الاعتصام) وساق فيه أحاديث الاعتصام بالسنن والفرار من البدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>