أتاني وَعِيدُ الأدعياءِ وأنَّهم ... أعَدُّوا لِيَ السُّودانَ في كَفرِ عاقِبِ
قال الشيخ: الدعياء جمع دعي، وهو الذي يدعيه أبوه، أو يدعي هو إلى أب ولا يكون نسبه ثابتا، والسودان هاهنا مراد بهم عبيد وسودان أعدوا له في كفر عاقب ليقتلوه. وكفر عاقب في الشام الأعلى. وكل قرية كفر، وبعض من فسر شعر أبي الطيب يذهب إلى أنه أراد بالسودان الحيات جمع أسود. ويذهب إلى أن السودان كناية عن الشرور ولا يمتنع ما قال.
وقال ابن فورجة: السودان: جمع أسود سالخ؛ يجمع على الأساود وعلى السودان ولا يجمع سالخ كما قالوا) أبارص في سام أبرص (.
قال الراجز:
واللهِ لو كُنتُ لهذا خَالِصا ... لكُنتُ عَبداً يأكلُ الأبارِصَا
قالوا وقد جمعت سام أبرص على البرصة، فجمعوا الاسم الثاني وقد يقال سوام أبرص بجمع الاسم الأول، وقالوا ليس في كلام العرب جمع أفعل على فعلة إلا هذه الكلمة، يريد أعدوا لي دواهي ومكروا بي.
ثم قال:
ولَو صَدقُوا في جَدَهِم لَحذِرتُهمْ ... فهلْ فيَّ وحَدي قَوُلُهمْ غيرُ كَاذِبِ
فبين في هذا البيت أنهم أعدوا له وشايات وكلاما. وأدعى أنهم أدعياء في جدهم. ليسوا متحققين في انتسابهم بل هم كاذبون، فقال لو كانوا صادقين في انتسابهم لحق لي حذرهم والتوقي منهم. فأما الآن وقد شاع كذبهم فكل ما وشوا به علي كذب.
وقال الحسائي: هؤلاء قوم من العلوية كان بينه وبينهم عداوة. فبلغه أنهم هموا بقتله وأقاموا له رجالا ليغتالوه في طريقه وهو قاصد أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج بالرملة.
أُناسٌ إذا لاقَوا عشدىً فكأنَّما ... سِلاحُ الذي لاقَوا غبارُ السَّلاَهِبِ
قال ابن جني: يقول سلاح أعدائهم عندهم كغبار الخيل لا يعبأون به، ولا يلتفتون إليه. وخص السلاهب لأنها أسرع فغبارها ألطف. إذا لاقوهم قابلوهم بالفرار. فسلاحهم أن يركضوا جيادهم فيثور غبارها في الهزيمة. ويجوز أن يذهب إلى أن الممدوحين لا يحلفون بسلاح الأعداء ولا يضرهم، فكأنه غبار الخيل يدخلون فيه بلا اكتراث. ويقوي هذا القول في صفة الخيل دوامي الهوادي. والسلاح يذكر ويؤنث.
يقُولونَ تأثِيرُ الكَواكِب في الوَرَى ... فما بالُهُ تأثِيرُهُ في الكَواكِبِ
قال أبو علي ابن فورجة: تأثيره في الكواكب إثارته الغبار حتى لا يظهر ليلا. وحتى يزول ضوء الشمس، وحتى تطلع الكواكب بالنهار. قال الشيخ أبو الفتح: وذلك أنه يبلغ من الأمور ما أراد. فكأن الكواكب تبع له وليس تبعا لها. وهذا وجه في تفسير هذا البيت غير ظاهر. ولقائل أن يقول هذه دعوى من نفسك. ولا يظهر لأحد تأثير في الكواكب، إذا بلغ هو ما أراد مخالفا لما أرادت الكواكب، بل يظن أن بلوغه ما أراد كان مما أرادت الكواكب، وما ذكرناه أظهر وأبعد من العنت.
تُخَوّفُنِي دُونَ الذي أمَرَتْ بِهِ ... ولم تَدْرِ أنَّ العارَ شَرُّ العَواقِبِ
قال ابن جني: تخوفني الهلاك وهو دون العار الذي أمرتني بارتكابه.
فقد غَيَّبَ الشُّهُّادَ عن كل مَوطنٍ ... وَرَدَّ إلى أوطَانِهِ كُلَّ غائبِ
قال الشيخ أبو الفتح: يقول قد غيب من كان شاهدا في وطنه ومن كان عادته ترك السفر لما سمع به من سخائه، ورد غائب إلى أوطانه. لأنه أعطاه وأغناه عن السفر إلى سواه.
يَرَى أنَّ مَا بانَ مِنكَ لضَارِبٍ ... بأقَتلَ مَّما بانَ مِنكَ لِعائِبِ
قال الشيخ أبو العلاء: في أن ضمير وهو الهاء كأنه قال يرى أنه ما الذي بان منك لضارب. فما الأولى نافية والثانية في معنى الذي.
ومن التي أولها: مَنِ الجَاذِرُ في زِيّ الأعارِيب
إنْ كُنتَ تَسألُ شَكَّاً في مَعارِفِها ... فَمَنْ بَلاكَ بِتَسهيدٍ وتَعذِيبِ
قال الشيخ أبو العلاء: هذا البيت فيه ضرب من الاكذاب. لأنه يسأل عن الجاذر وكأنه لا يعرفها. ثم قال هذه المقالة الثانية فدل أنه خبير بهن والمعارف تستعملها العرب في معنى الوجوه. واحدها معرف سمي بذلك لأن الوجه يعرف به الإنسان.