وروي عن الأصمعي أنه قال في واحد المعارف: فأما القياس فيوجب أن يكون الواحد معرفا بكسر الجر لأنه موضع المعرفة. فهو كالمجلس موضع الجلوس. والمهبط موضع الهبوط، ويجوز أن تكون المعارف جمع معرفة، كأنه أراد إن كنت تسأل شكا في معرفتها. ثم جمع فقامة الوزن.
لا تَجزِنِي بَضَنيً بِي بَعدَها بَقَرٌ ... تَجزِي دُمُوعيَ مَسكوباً بِمَسكوبِ
قال الشيخ أبو العلاء: قوله) لا تجزني (مجزوم بالدعاء، لأنه ينجزم كانجزام النهي والمعنى أنه بكى عند الفرقة وبكين. فجزين دمعه بدمع، فدعا لهن أن لا يجزينه بضناه ضنى مثله، كما جزينه بالدمع، أي لا أريدهن يضنين بعدي.
قالُوا هجَرتَ إليه الغَيثَ قُلتُ لهم ... إلى غُيُوثِ يَدَيهِ والشَّابِيبِ
قال ابن جني: يقول تركت القليل من ندى غيره، إلى الكثير من نداه.
قال الشيخ أبو العلاء: المعنى أنه قيل له هجرت الغيث إلى هذا الممدوح لأن مصر لا تمطر. فأجابهم بهذا الجواب، وأنكر أبو علي ابن فورجة على أبي الفتح ابن جني ما ذكره. من أن الشاعر أراد أنه ترك القليل من ندى غيره إلى الكثير من نداه. وقال: ليس في قوله هجرت الغيث ما يدل على أنه هجر القليل من ندى الناس، بل يدل على أنه هجر الكثير إلى الكثير.
بَلى يَرُوعُ بِذي جَيشٍ يُجدّلُهُ ... ذا مِثلِهِ في أحَمِّ النقعِ غِربِيبِ
قال الشيخ أبو العلاء: بذي جيش أي بملك صاحب جيش، وذا مثله، أي ملكا صاحب جيش مثل هذا الجيش، وذا: في معنى صاحب، يقال ذو مال وذو جاه، ولا يضاف ذو إلا إلى أسم ظاهر ولا يحسن أن يقال الماء أنت ذوه.
ومن التي أولها: أُغالِبُ فيكَ الشَّوقَ والشَّوقُ أغلبُ
وكمْ لِظَلامِ اللَّيلِ عِندَكَ مِن يَدٍ ... تُخَبّرُ أنَّ المَانَوِيَّةَ تَكذِبُ
قال الشيخ أبو العلاء: المانوية منسوبة إلى ماني. وهو رجل يعظمه أهل مذهبه ويقال أن طائفة من الترك عظيمة يرون مذهبه، وأن أهل الصين على مذهبه وأن لأصحابه كتبا ومناظرات، ويزعمون باثنين: رب يفعل الخير لا غير وهو في بعض الألسنة الذي يسمى يزدان، وضده يفعل الشر ويسمونه أهرمن، ويذكر عنهم أنهم يقولون أن الخير من النهار والشر من الليل.
وللهِ سيرِي ما أقَلَّ تَئِيَّةً ... عَشِيَّةَ شَرقيَ الحَداليَ وغُرَّبُ
قال الشيخ أبو العلاء: الحدالي في موضع رفع بالإبتداء، وموضع شرقي نصب على الظرف، وحذف ياء الإضافة من شرقي لالتقاء الساكنين، ويجوز أن يكون الحدالي خبرا، وشرقي مبتدأ، لأن شرقي يجوز أن يكون ظرفا وغير ظرف، قال جرير:
هبَّتْ جنوباً فَذِكرى ما ذكرتكُم ... عندَ الصَّفاة التي شرقيَّ حَورَانَا
فالوجه النصب في شرقي حوران، والرفع على أن يكون التقدير عدن الصفاة التي هي حوران، والحدالي وغرب جبلان.
عَشِيَّةَ أحفَى النَّاسِ بِي مَنْ جفَوتُهُ ... وأهدَى الطَّريقَين الذي أتَجَنَّبُ
قال ابن جني: يقول أصفى الناس بي سيف الدولة، وأهدى الطريقين التي أتجنب، لأنه كان يترك القصد ويتعسف ليخفي أثره خوفا على نفسه وقال أبو علي ابن فورجة:) من جفوته (يعني به سيف الدولة. وأحفاهم أشدهم اهتماما في البر بي، وأهدى الطريقين الذي أتجنب، يريد الأولى بي أن أعود إلى سيف الدولة، إلا أني هجرته لدرب مصر، يتوصل بذلك إلى عتاب كافور، وإظهار الندم على زيارته.
وعَيني إلى أُذنَي أغَرَّ كأنَّهُ ... مِنَ اللَّيلِ باقٍ بينَ عَينَيهِ كَوكبُ
قال ابن فورجة: إنما يجعل عينه إلى أذنه، لأن الفرس أسمع الحيوان، ومن أمثال العرب) أسمَعُ من فَرَسٍ بِبَهماء في غَلَسٍ (وقوله كأنه من الليل. أي كأنه قطعة من الليل، وقد تم الكلام به، أعني أنه غير متعلق بقوله) باق بين عينيه كوكب (فيسقط حينئذ تشبيهه إياه بالليل. وهذه اللفظة ومعناها أخذهما من أبي داود حيث يقول: ولَها فرجةٌ تَلألأُ كالشِّعرَي أضاءتْ وغُمّ منها النُّجومُ
وأظلمُ أهل الظُّلم مَن باتَ حاسِداً ... لِمَن باتَ في نَعمائه يَتَقَلَّبُ
قال ابن فورجة: قرأت كتابا منسوبا إلى) أبي علي محمد بن الحسن الحاتمي (يذكر فيه ما نقله أبو الطيب من ارسطاطاليس إلى شعره، يذكر فيه أن هذا البيت من قول أرسطاطاليس) أقبح الظلم حسدك لعبدك الذي تنعم عليه (.