للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعتاق الخيل الكرام، يقال عتقت الفرس إذا تقدمت وسبقت، والصلادم الصلاب، وإذا قيل إن الميم زائدة في شدقم؛ لأنه من سعة الشدق لم يمتنع أن تكون الميم في صلدم زائدة لأنه من الصلد وهو الصلب، ووزن صلادم على هذا فعالم، وإذا كانت أصلية فوزنه فعالل.

ومن التي أولها: أرَاعَ كَذَا كُلَّ الأَنَامِ هُمامُ

حِذاراً لمُعْرَوْرِي الجيادِ فُجاءَةً ... إلى الطَّعْنِ قُبْلاً ما لهنَّ لجِامُ

قال الشيخ: وصفه بأنه معروري الجياد، أي يركبها أعراء، وقد بالغ في مدحه مبالغة وجب ن ينزهه معها عن إعراء الجياد، إذ كان ذلك لا مفخر فيه لمثله وقال: " ما لهن لجام " فوحد في موضع الجمع، وقد وصفت العرب إعجال الحروب إياها عن لجام الخيل، قال الشاعر:

غَدَاةَ مَرَرْتَ بآلِ الرَّبا ... بِ تُعْجَلُ بالرَّكْضِ أَنْ تُلْجِمَا

وبعضهم يفتخر بإلجام الفرس قبل إسراجه، لأنه إذا وضع اللجام في رأسه أمكنه أن يعروريه بغير سرج، وقال بعض الشعراء:

إذَا قِيلَ أيُّ فَتى تَعَلمُونَ ... لصَعلُوكِ فِهْرٍ ومحُتَاجِها

ومَن يُعجِلُ الخَيلَ يَومَ الوَغى ... بإجَامِها قَبلَ إسرَاجِها

أشارَتْ نِساءُ بَنِي غالِبٍ ... إليكَ بِه قَبلَ أزوَجِها

تَغُرُّ حَلاَوَاتُ النُّفُوسِ قُلُوبَها ... فَتَخْتارُ بَعضَ العَيشِ وَهو حمِامُ

قال ابن جني: قلوبها: قلوب النفوس، فتختار الهرب خوف القتل، وهو كالقتل.

ومن التي أولها: ذِكَرُ الصَّبا وَمَراتِعُ الآرامِ

لَوْ كُنَّ حَرَيْنَ كُنَّ كَصبَرِنا ... عِنْدَ الرَحيلِ لَكْنَّ غيرَ سِجامِ

قال الشيخ رحمه الله: يقول دموعنا غزيرة كثيرة، فلو كن كصبرنا يوم الرحيل لكن قلائل لا يجرين.

أنْتِ الغَرِيبَةُ في زَمانِ أهْلُهُ ... وُلدَتْ مكارِمُهُمْ لغَيرِ تمِامِ

قال ابن جني: أنت الغريبة، لأنه أراد الحال أو الخصلة كما تقول للرجل: إنك لأعجوبة، وإنك لداهية وعضلة.

قال الشيخ أبو العلاء: الأشبه أنه أراد أنت الدرة، ثم يحتمل أن يوقعها على كل خصلة محمودة.

مَهْلاَ ألا لله ما صَنَعَ القَنا ... في عمْرِو حَابِ وَضَبَّةَ الأَغْتامِ

قال ابن جني: أراد عمرو حابس، فرخم المضاف إليه، وهذا لا يجوز عندنا، لأن الترخيم هو حذف يلحق أواخر الأسماء المضمونة في النداء تخفيفا، والمضاف إليه معرب في النداء مجرور بإضافة الأول إليه، فلا يجوز حذفه. فأما ما رواه الكوفيون من قول الشاعر:

أبَا عُرو لا تبْعَدْ فكُلُّ ابْنِ حُرَةٍ ... سَيَدْعُوهُ دَاعِي يَوْمِهِ فيجُيب

فلا يعرفه أصحابنا على هذه الرواية وإنما، روايتنا) أيا عرو (كما تقول يا طلح.

وذِرَاعُ كُلَّ أبي فُلانٍ كُنْيَةً ... حالَتْ فَصاحِبُها أبُو الأيْتامِ

قال ابن جني: كأنه قال ثم أحجار ناس وثم ذراع كل أبي فلان، أي ذراع مقطوعة من رجل كان يكنى أبا فلان زيدا أو عمرا أو غيره، فحالت كنيته فصار صاحبها يقال له أبو الأيتام، بعدما كان يقال له أبو فلان، وذلك لأنه هلك فيتم ولده ونصب كنيته على الحال من أبي فلان، أي كنيته وليست نسبا، ويسأل عن هذا فيقال إن الاسم الذي يقع بعد كل أداة واحد في معنى جماعة، ولا يكون إلا نكرة نحو قولك: " كل رجل في الدار " فلست تعني رجلا واحدا، ولا يجوز أن تقول " ضربت كل عبد الله " وأنت تريد ما تريد برجل، فكيف جاز له أن يقول كل أبي فلان؟ وهو يعني جماعة هذه أحوالهم، وفلان معرفة فينبغي أن يكون) أبي (معرفة لإضافته إليه، فالجواب أنه اضطر إلى تقدير الفصل، وبينه فكأنه قال كل أب لفلان أبي كل إنسان، يقال له أبو فلان، كما يقول: " رب أمه لقيته " و " رب عبد بطنه ضربته " أي رب واحد لأمه ورب عبد لبطنه.

قال الشيخ أبو العلاء رحمه الله: هذا تأويل لا يحتاج إليه، لأن كل علم من المعارف مثل عمرو وزيد لا يمتنع من تنكير فلان، وفلان في بيت المتنبي نكرة لأنه أخرجه مخرج قولك: " جاءني كل أبي علي في المصر " ففلان معرفة وقد صار نكرة، وأبو نكرة مثله، وليس يحتاج في هذا الموضع إلى تأويل فصل الإضافة لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون فلان معرفة ولا يجوز تنكيرها، وذلك مستحيل لأن الاسم المعروف إذا جاز تنكيره فالتنكير إلى ما يكنى عنه به أسرع.

<<  <   >  >>